الجمعة، 15 مايو 2009

لماذا الحرية الكاملة










أتذكر أول مرة عثرت على ديوان نزار قباني "يوميات امرأة لا مبالية"... أدركت أنني وجدت نفسي، أو عرفت أن الأجيال اليوم التي تركت الشعر واحترفت "الفيديو كليب" ربما تهرب من كسر الحواجز التي كسرتها "الامرأة اللامبالية" التي تخيلها نزار قباني، لكنها موجودة على الأقل في داخلي... وفي قدرتي على التفاعل مع الكلمات ولكن على شاكلة معاصرة... ربما تطفئ شبكة الانترنيت هذا الظمأ، أو حتى تجعل القحط الذي يتسرب سريعا يبتعد عني وعن الباحثين داخل تجربة لم تعرفها الأجيال السابقة..
لم يعرفني أحد إذا تحدثت أو بالغت في حريتي، أو حتى سعيت إلى تفسير الجنس عندي أو إطلاق تجاريي لجوع الذكور والإناث.... أفكر قبل كل كلمة، لكن المساحة الافتراضية ستتركني أحط روايتي بلغة جديدة، فتصبح الجمل أكثر من تجارب أو صور أو جرأة تقتحم هذا العالم الساكن والباحث عن استقراره في فتاوى ماتزال قانعة بالقرن الرابع الهجري، وبسراديب البحث عن الذات داخل لحب العذري، واللون الذي لم يلمسه أحد في وقت فقد العالم بأسره عذريته، واغتصبته الأسئلة التي انهالت منذ قرر البعض كسر حاجز الصمت.. ربما لم تعد الحياة أسهل، أو أصبح الحب والجنس جنونا، والوحدة والعزلة قدرا، لكن على الأقل هناك مجال للمغامرة من جديد وللبحث عن المسافات التي يمكن ابتداعها حتى ولو أصبح العالم مكشوفا، وجسد الذكر محفوظا عن ظهر قلب، وبالطبع فإن تفاصيل الأنثى انكشفت منذ بدأ الخليقة، وربما أصبحت اعتيادية رغم عنف الإثارة التي تتركه في عيني الرجل.
ما يمكن التفكير به أكثر من بورنوغرافيا... هي إحساس جنسي عاتم لأنه محاولة للحديث دون قيود تصبح نوعا من الزيف أو إثارة مجانية موجودة في أي زمان أو مكان، وهي إحساس أيضا بأن القدرة على التواصل هي في التفكير بأن الجنس يمكن أن يربط الجميع ويضعهم في كفة واحدة وسط عالم يريد جعله نوعا من التوهيمات أحيانا، أو القيود الصارمة التي تظهر على طرف العالم وهامشه الذي يشكل جموعا بشرية.
أسئلة متنوعة



لا أعرف لماذا تقاس حرياتنا على مساحة الذكور، أو حتى على قدرتهم في اقتحامنا، وكأننا لا نملك أجسادنا كما يملكونا، لكن على ما يبدو أن الموضوع سيبقى معنا، فنحتفظ بأسرارنا وبقدرة الذكور على المبادأة والدخول إلى جزء من عالمنا، لكن هذا الاقتحام يبقى مجرد قصص يتباهى بها الذكور بينما نكتمها لأننا مطالبات بالحياء...
هل كسرت إحداهن الحياء...
هناك من فعلن، وأنا سأفعل على الأقل على الساحة الافتراضية، لأنني منذ صغري وشهوانية الرجال تقلقني، لكنني عندما تحررت منها استطعت على الأقل الاستمتاع بما هو موجود، وربما العبث بجسدي كما أريد، فأكتب الكثير ولكن تبقى المساحات المنسية متروكة فقط على جدران المواقع الافتراضية، فعليها فقط يمكن أن يصبح البوح صراخا وأن أترك العنان لذرات جسمي كي تقتحم عالما ذكوريا واستمتع بإثارة الغرائز دون أن أخاف محاصرة جسدي للقيم البالية، فأتحدث عن طريقة العبث بي أو أسلوب في احتكار لحظات النشوة...
بعض الفقهاء يقولون لا حياء في الدين.. وأنا أقول لا حياء في الجنس، وربما لأول مرة يمكن لأنثى أن تتحدث بالتفاصيل وهي ليست عاهرة حسب منطق الرجال، ويمكنها أن تتغزل بطريقة إطلالة الوجه الذكوري بدلا من انتظار الرجل كي يتغزل بها، فأعرف أن التعب الذي يسترخي أحيانا على العينين يوحي بشبق خاص، وعندها استغل اللحظة لأخلق استنفارا عصبيا فقط باقترابي أكثر حتى يشتم عطري، وإذا حاول التحرش أعرف أنني وصلت إلى غايتي، لأنني أشعلته بعدما أشعلني.
أبحث عنك !! ..هل تبحث عني
هو سؤال قديم كلما توقفت وجها لوجه أمام رجل، فتستهلكني النظرات وأحاول أن أخفف إرباكي، ثم أشعر أنني أصبحت مفتوحة أكثر من اللازم، والقصة نفسها تتكرر ولكن بأسماء مختلفة، لكنني كنت دائما أشعر أن الوجوه الشهوانية تطاردني كلما توقفت مع أحدهم فهل هناك من حل...
بعض الصديقات كن يتحدثن عن بعض المساحات الزائفة في علاقاتهن، لكنني كنت ألمس الشبق للذكر، ولمتابعة تفاصيل الجسد وهي تتحرك، أو تغرق بي قبل أن تلمسني...
سأصف نفسي قبل أن أصفك، لأنني مخبأة داخل ما تم اختراعه من أقمشة وتصاميم هي في النهاية "محسنات جنسية" تحاول رسمي من جديد لكنني في الداخل أشعر أن نهديّ يسابقني أحيانا رغم أنهما لا يضاهيان حجما ما اعتاد الرجال على تلقفه في صور النساء...
هل حقا يهوى الرجال النهود الكبيرة؟ تجربتي تقول أن لكل يد ثدي خاص بها، أو حتى لكل شفة ربما حلمة تستهويها، وحتى الدفق الذي يهزني يختلف من أنامل وأنفاس إلى أصابع أخرى تترك انطباعا بأن اللذة ربما تنسحب بأكثر من طريق!!!
رواية قصيرة جدا
هو جسد لا نهتم كثيرا لتفاصيله، وربما على عكس أفلام البورنو فإن ظهور العضلات أو اختفائها يعد شكليا طالما أننا أمام عرض حي وليس حفلة تعرية لكل ما يغطي الجسد، ففي النهاية هناك قدرة خارقة يمكن أن تدخل في كل المساحات، فأول الشعور هو نوع من الانقباض الذي يحرك الجوف لمجرد التفكير بأن هناك من سيمسح الجسد بأنامله، فيتحفز حتى القدمين العاريتين ترتجفان قبل أن يبدأ الطقس الحقيقي، أو تبدأ هي باختلاس النظر إلى كل التفاصيل وبعينين ناعستين قليلا....
هناك شكل انسيابي من الصدر ووصولا إلى مساحة الخصب، فالانتصاب يوحي بأن هناك أكثر من مجرد التحام فقط، بل أيضا مشاركة في استجداء الشهوة التي تبدو وبشكل غريب كأنها سماء تشع من بين الفخذين، وربما هناك بعض الشيب على الرأس لكنه لم يغير من إشعاع القدمين أو من سرعة الكف وهي تتلقف عناقا حارا....
ربما لا نستطيع التفات كثيرا إلى الوراء لكنه جسد بالكامل ومسلح بشفتين قادرتين على ابتلاع ما يقف أمامهما، وعلى التدحرج من الجبين باتجاه غابة الساقين ومن الرقبة نحو تقاطع أرتجف بمجرد اللمس، فمع الشفاه فإن الجسد يتكور، ولا أستطيع التمييز بين بداية الخفقان وانتهاء الحركة... هو جسد لكنه ينطلق نحو الشبق الذي يختلط بالصوت والرجفة ويجعل مما يطلق عليه الأقدمون "الباه" مساحة قابلة للارتجاف في داخلي...
مساحة جنس أم عشق
كان الموضوع يؤرقني على الأخص ان الحديث الداخلي يدفعنا نحو المفاضلة: حب أم جنس.. علاقة عابرة أم زواج، وكأن هم الجميع رسم العلاقة التي أريد أو تريدها الفتيات، وفي كل لحظة يخرج إلينا مارد "القيم الاجتماعي" ليجلدني بوعظة عن "الغلط" و "الشرف" واما الأفلام فهي تتحدث عن الحب وتظهر الممثلة وبينها فارق 10 أمتار عمن تحبه لتتحدث إليه عن شوقها، أو تلاقيه بعد غياب فتكتفي بأن ترفع يدها له من بعيد....
الغريب أنني فجأة لم أعد أفصل بين الأمرين، لأن متعة الجنس لم تكن حاضرة إلا في لحظة "هيام" كامل، وكل المحاضرات التي لقنتنا إياها الدراما التلفزيونية انهارت فجأة لأن الحي يمكن أن يتكرر أحيانا بعدد العلاقات التي ندخلها أو نسقط بها حسب ما يقوله القائمون بالمعروف والناهون عن المنكر...
انتقمت من الجميع، وقررت خدش حياء جسدي الذي تربى على "جرعات" الفضيلة حتى بت أستحي النظر إليه لأنني أخاف أن ارتكب محرما، وفي لحظة فاصلة انطلق جنوني أو تمردي على غوغائية الحياة التي جعلتني أنثى عليها أن تتزمت وتكبت وتبقى أسيرة السلطة الاجتماعية فانطلقت، وكان موعدا ساحرا، لأنني اكتشفت فيه أنني عندما أصبح جريئة فإن الرجل يصاب بالحياء، وأعرف أنه سيتحدث عني في صباح اليوم الثاني، لكنني لم أستطع أن أتوقف لحظة عن الدخول بين شفتيه، وكانت خلفي الدنيا مذهولة، أو حتى نادمة عن الساعات التي قضاها الواعظ وهي ينبهني أو ينبه الرجال من كيد النساء...
في النهاية كان علي أن التهم الحياة من "الشهوة" التي التصقت بي، فأعدت تقبيله وشعرت برأسي ينخفض وجسمي ينحني، واكتشفت أن أصابعه تنبش مناطق خصبي، فتجرعت خصبه أيضا قبل أن ألتهب وتلت صق ساقي كي تتحمل وطأة التحرك الذكوري الذي يسري داخل جسدي...
مازالت أذكر كل لحظة داهمت فيها الحياة عندما قررت أن الجنس والحب ليسا نقيضين، بل هما جناحي المتعة التي كنت أحصدها وأنا أتمرغ من أعلى إلى أسفل، ومن حلاوة الشهد التي تقاطرت على نهدي لتشعرهما أن الحياة بدأت... وتستمر الحكاية..
رجال أحرار
أتعرف عليهم بعيدا عن مساحة الكبت التي يتحصنون بها، فيعد كلام موزون تبدأ البذاءة.. هي ميزة الدردشة على الإنترنيت، حيث لا يعرف أحدا لمن يتكلم لكنه بالفعل يلهب خياله أكثر من اللازم، ومن كان يعرف بأن كل هذا القدر من الجنس يمكن ان ينسفح على مساحة الانترنيت، فبوسع أي واحد ان يخلق مجموعته وأن يجعلها مجال دعارة معلن، أو مسحة للبقاء على حرية كلامه كي يقول ما يريد.
يعجبني الوضع كما هو على طريقة "الدردشة".. أو السماح لأي واحد بان يغازل ويعاشر وينتشي لمجرد الحديث مع فتاة لا يعرفها، وفي نفس الوقت فإن أي فتاة تستطيع دخول عالم الرجال من بوابته المظلمة أو المضيئة لا أعرف، لكنها في النهاية ستلج لمناطق ربما لم تتعرف عليها مسبقا...
أنا أردت التعرف فقط على ما يمكن ان يحدث لو أن واحدة أرادت الدخول إلى مساحة مجموعات الجنس... بالطبع هناك الكثير من الأمور القميئة، لكنها خبرة تبقى معي وتتركني أعرف القيمة الحقيقية لحرية الوجود على الانترنيت كي يصبح مجالا خصبا لما يمكن أن يجمعنا فنفصح عن كل ما نبقيه مخبئا في الجلسات العامة.
إنني أعرف أن المسألة مجرد وقت قبل أن أمل هذا اللون الافتراضي، ومع تقطيع الزمن أتلبس كل مظاهر الرجال أو خيالاتهم حول أنفسهم وحول الأنثى وأبقى متفردة بهذه المعرفة فاتبعوني...
ليست مجرد صدفة
كانت يده تطير بي وهي تلتف على خصري، بينما يحاول عقلي خلق جردة حساب مع المستقبل.. والمستقبل هو الساعات القادمة فقط، فإلى أين سيأخذني مع ابتسامته التي بدت أجمل من أي يوم مضى. لم يكن يوما ماطرا كما يحدث في خيالي عندما بدأت المراهقة، أو لنقل بدأت أشع مثل نجمة شبقه تريد ان تكتب لنفسها تاريخا حافلا، لكنه على الأقل يوما يلاطف جسدي وتمر ثوانيه على مساحة بطني فأشعر ان اقتبس من فوح الرجولة مسحة واحدة...
في دقائق، أو هكذا خيل لي، وصلت إلي مرحلة الحسم في جمح عيني وشعرت أن علي أن أتغزل به وأتحدث بعكس تاريخ الشعر العربي فأتجاوز كل المعاني أو الكلمات الموروثة وأجعلها "حسية" لأبعد الحدود، كان يظهر لي مثل فهد يرتاح من قنصه، فكل الانسياب الذي يرافق ساقيه جعلني أتمسك أكثر به وأضغط على صدره ثم أتوقف لأتأمله من جديد...
لاحت ابتسامته من جديد أو ربما متعته التي شرعت تتسرب إلي فهبطت السماء على جسدي وشعرت أني أتوقف للحظة خارج الزمن وأن صدري يقفز نحو فمه وانتهيت بلحظات لم اعد استطيع فيها الرؤية لأن وجهه أطبق علي...
لم تكن صدفة... كانت لحظة خططت لها لكي أتذكره اليوم وربما أقارنه بكل الذكور الذين يحاصرونني في مساحة حياتي فأبحث عن ابتسامته أو رشاقة حركة ساقية أو حتى طريقة اختطافي وكأنني امتطي الغيم بين يديه.... ربما يعود للحظة لكنني سأبقى مترفة بنعيم لحظات كانت ترافقه دوما فأدخلتني مدرسة أتعلم فيها أن المغامرة هي ما يبقى لنا من الحياة...
عابر سبيل أو تجربة الكترونية
هي مجرد قصة نقلتني إلى لعبة أردت منها معرفة أمور كنت أسمعها تحدث في بلدان الكبت، واكتشفت أنني اكتب سطورا من "البرنوغراف"، وربما لأنها أول تجربة لي على الانترنيت فإنني أضعها أمامكم:
أفضل أن أعرفك عابر سبيل شاهدتك صدفة في زاوية الحديقة، ‫لكنني بالطبع لن أحاول الاقتراب، كان عقلي يذهب بعيدا لكن وجهك يبدو مألوفا فأحاول التلهي بقربك ربما لأن نظرتك كانت وقحة أكثر من اللازم، ‫أتوقف قليلا وأبحث حولي فأعرف انك بالفعل تلاحقني أو حتى تريد ان تبحث عني لكنني أبقى وجله، أسير باتجاه مختلف فتلحق بي...
للحظة أعرف أنني اتجه نحو زاوية الحديقة أو ربما لمكان غريب قلما تصل إليه قدم...‫أنفاسك تبدو قريبة مني ومن الخلف أشعر بها أكثر... هل أنا خائفة أم أحاول أن استجمع ذاكرتي مع وجهك.. ‫ ‫سأتلفت لكني سأبقى على قناعة بان ما يجري ربما لن يتكرر.. ‫التفت فجأة فأشعر ان نظرتك اخترقتني وجعلت المساحة بيننا غارقة بلهاث عجيب يذكرني بلحظات سابقة، فأسقط في دوامة تضعني أمام لحظات التجارب الفريدة، لكنني لم أسقط لأن لهاث من يلحقني أصبح أكثر إقناعا بأنه سيحرقني أو ربما سأضعه على مساحة من جسدي.
لهاثه يذكرني بخيال سابق مع رجل آخر أو ربما بتجربة قرأت عنها أو شاهدتها، ولكن هل يستطيع عابر سبيل أن يدخل إلى داخل، وربما يعبث معي أو حتى يترك بصماته على مسامات جلدي؟!! ‫يداه تحيطان بوجهي ولا أتكلم و ‫للحظة يخطفني الوجد مع يداه التي اندست بين ساقي أما شفتاي فتترنحان.
كان سحرا يقترب مني، لأنه نوع من التهويمات الصوفية فلا أدري أحقا أنني أتقلب بين يدين غريبين، أم أن هواء بداية الشتاء تلفح ما بين نهدي وتجعلني مجرد ورقة تسبح في الفضاء، وفي لحظات تخترقني حرارة جديدة تهبط على من الأعلى ومن الأسفل واكتشف أنني أقف على مساحة من الرجولة التي لا تفصح عن تفاصيل وجهها.
مجهول مع مجهولة... رواية لا تحدث إلا في أفلام الإثارة، وحديقة عامة عادة ما تكون مكتظة، لكنها مع هبوط البرد تبدو وكأنها مستعدة لاستقبال أجسادنا، فأترك كل تفاصيل جسمي للهواء و أشعر بشهد يقطر عليهما، هل هما شفتاه أم أنه بدأ يخترقني .. أتوقف قليلا .. ‫هناك شفتاي استخدمهما أيضا... ‫ربما على الانحناء قليلا، لأن مكان الخصب يبقى بالأسفل، هي مرة جديدة أحاول فيها أن أعانق بها تصلب القضيب الذي أشعر بتوتره وهو بين يدي فأحنو عليه.. أقبله.. ‫‫أحاول أن استخدم حرارته كي يصبح جزءا من وجهي.
لم يبقى سوى لحظة واحدة ‫هي كل الروح الذي يستوطن ما بين الساقين.. قررت النهوض ‫أو الاستلقاء على مساحة من الأرض... ‫لم يبق ما يسترني سوى جسد، فهل عليه أن ينبش كل زوايا جسدي ‫في لحظة واحدة.. هناك رعشة تملؤني ‫وهي أيضا تسكب النار في جوفي فانقبض أو استكين.. ‫لكنني تحت وطأة ثقل يداهمني أو يلعق بلسانه شفتاي.
‫نوع من ارتجاف السماء يداعب أسفل ظهري ثم يجعلني أسير في وميض يلامس أعصابي، أو ينقبض رحمي ..‫هل علي التوقف... ‫هل ينتهي هذا الوجد.. ‫مازالت أشعر بحرارة وقسوة ما بجوفي وكأنه يسكبني أو يسكب كل الحياة بين ساقي اللتين تتهدلان.
عابر السبيل يغادر أو أترك الحديقة وأركض خارج هذا الخيال.
من خلف الزجاج
أعشق هذه النافذة، وانعكاس صورتي على الزجاج الذي يجعلنا غارقة بعيدا عن التفاصيل، فيصبح جسدي مثل لون مرشوق على مساحة واحدة، أو أنتهي عند حدود انكسار الضوء فأشاهد نفسي وكأني لوحة جداريه يتأملها المارون، ثم يتذكرون الألوان التي توحي بجسد أنثى، أو بشبقها وعشقها ومعانقتها للحياة...
عشق النافذة انعكاس للحياة المرسومة من خلفها، فعندما يرفع أحد ناظره سيبدأ بتخيل القصص المرسومة خلفها، أو حتى برسم رواية كاملة عني، رغم انه لا يعرفني، فالنافذة هي التي تتحدث عن المثل الدمشقي "البيوت أسرار"... هي بالفعل أسار من يعيشون بها ويتركونها في أسرتهم أو بين حنايا الغرف أو حتى على حيطان المنزل، فأسرار البيت هي أجمل ما فيه: تحمل ضحكات الإناث، وتأوهات اللحظات الحميمة، وتحمل أيضا الخلافات الصغيرة التي غالبا ما تنتهي بعناق يضفي رعشة على البيت...
نافذتي تكشف مساحة المدينة أمامي، ونادرا ما أغلقها، لكنني عندما أفعل فلأشاهد صورتي على الزجاج المحجر، وأغرق في الغزل الرقيق بجسد الأنثى الذي لا يحمل سوى الفرح لي ولكل من يحاول أن يسترق النظر، فيجد أنني لا أقطر أنوثة وسبقا، بل أيضا رغبة في رسم الحياة على وجوه من أحب...
نافذتي مشرعة لكل العشق الذي أمامي...
رواية اسمها.. أنثى
هما وجهان: الأول يفرض نفسه علي في مساحة عملي، عندما تصفعني الأوامر أو يأخذني الناس إلى زوايا قصصهم ومتاعبهم، فاكتب وأوثق وأعدل، ثم أخاف الرقيب، فما الكتابة إلا انعكاس للون عيوني وحدتها التي ترافقني في كل المناوشات التي أوجهها مع كل من يحاول ان يمارس "الكتابة" على صفحة المجهول...
البعض يبحث عن مثل هذا الوجه ويستغرب كيف أنني اقتحم عالما لا يعرفه الكثيرون.... تحقيقات صحفية تجدد خلايا جسدي فأعرف أنني خُلقت على إيقاع من الغموض الذي يرسم الحياة حولي، فبفرح البعض لرؤية وجهي ويرون فيه سلاسة تجعلهم يختالون من الشبق الذي يحيط بي، لكنني لا أرى سوى تفاقم الأخبار وتراكمها أمامي فأمسك بالحروب وأجرح بها الورق أو ملفات التي أصنفها على الحاسب وفق ترتيب تأثيرها على داخلي...
هو وجه يقحم نفسه في كل المشاكل ولا يعرف سوى رسم بعض البسمات الصغيرة التي تتحرك يمنة ويسارا، فيركض شاب خلفي وهو يحلم بان يجعل يده ترسم خارطة على جلدي، لكنه يقف يائسا أمام نظرة باردة بينما ألتهب من داخلي، أو يشتعل عرسا في خلايا جسدي يجعلني أندم أنني لم أقف لأنظر في وجهه وأتمعن في قدرة عينيه على اجتذابي، أو حتى حركة شفتيه على امتصاصي..
يغادرني هذا الوجه سريعا.. فما ان ينتهي النهار حتى ارتخي لمساحات الخيال، فأبحر في تفاصيل الأجساد أحيانا، وأنا أعرف ان زيارتي لمطعم محدد يجعلني مألوفة، ويجعل الرواد يتهامسون عن "الوحيدة" التي تقف لتتناول وجبتها وربما رغبتها في التهام الجميع، أو يحلمون بأنها ستتقدم قليلا وتطلب من أحدهم أن يرافقها!!! لكن هذا الوجه الذي يملك بشاشة أكثر يعجز في ساعات قليلة عن اكتساب الود لأنه يصارع كل تفاصيل النهار، ويحاول أن يسترخي على دقائق قليلة من هواء الليل الذي يضرب ثديي عندما اقفل راجعة إلى الغرفة التي أتكوم فيها منتظرة نهارا جديدا...
في النهاية كان لا بد لهذه السيرة أن تتحول بعيدا فيختلط الوجهين عندما اجتاحتني عاصفة رجل أنهى رحلته الطويلة ليحط على جسدي، فربما غير من كل التشكيلة التي كانت تقيد صورتي أو تضعني على المساحات المفقودة من الأنوثة، فاكتشفت وأنا بعد في السنة الأولى لعملي أن خبرتي كانت هي في اكتساب وده، وأن التحقيقات الصحفية سارت على مساحة أخرى.... هذه السطور الأولى من الرواية التي تحمل كل تفاصيل القفز على مطبات المجتمع والثقافة التي كنت أتحصن بها منذ بداية المراهقة وحتى اللحظة التي تكسرت فيها قناعتي، فالرواية تبدأ لكنني لا أعرف متى ستنتهي.
... عودة للذاكرة
ربما استعجلت قليلا وأنا أرسم وجهين، فرغم الانتقال إلى مساحات مختلفة ما بين حدة النظرات أو استرخائها إلى أن الماضي ربما يجعلنا نتلبس وجوها جديدا، فأنا استطيع التذكر أو حتى استحضار تجارب كانت مثل الهمسات، ومن اليوم الذي اكتشفت أن الأنثى محاصرة ببعض السماجة ومدانة بجسدها رغم الطفولة التي تفوح منها، بدأت رياح الصحراء تنسج لي روحا جديدة وتضع فيها قوانين تشكل "بر السلام"، وترغمني على تجنب الدخول في الطريق الطويل أو حتى ترك الليل يهبط عليها قبل أن تصبح جدران المنزل سترا لها...
أتذكر الوجه الأول الذي داهمني وأنا أطوف في شارع حينا الذي أحفظه عن ظهر قلب... كان يحمل شفتين متهدلتين ويجر دراجته وينظر إلى حتى خيل لي أنه أتى ليزورنا... مر بالقرب مني وسألني بالفعل عن منزل أجهله في نفس بناءنا.. حاولت أن أرشده داخل البناء فطافت يده علي.. لم أفهم ما الذي يحدث فطفولتي جعلتني أشعر بمرارة على الأخص عندما كانت قدميه تلتصق بي، فتفوح رائحة لم أألفها من قبل، هي مزيج من الوقاحة والحرج، ثم ولى هاربا عند سماعه لصوت قادم من أعلى الدرج... كتمت قصتي لساعات لكنني لم استطع أن لا أبوح بها لأمي التي ذعرت مما حدث، ثم بدأ الهمس بينها وبين أبي، وانتقل بعد ذلك لجيران الحي... وكانت القصة تكبر في داخلي...
لم أعرف أن الأنثى لا تستطيع أن تحلق وحدها بسبب خربشة الليل على جسدها، أو ما يصطلح تسميته بـ"التحرش"، لكن المسألة تطورت بعد ذلك في مساحات أخرى، لأن الحياة تحمل دائما جغرافية لا نستطيع الهروب منها، وربما كان الاستياء هو خلاصة ما يحدث كلما فكر رجل بأنه قادر على صلب أنثى لمجرد أنه يملك "فحولة" لا يجب سترها، فيهب وكأنه عاصفة، أو يحاول تقليد النسمة فتأتي على وجهي وكأنها صفعة أحاول أن أهرب منها، عندها سيستغرب لأنني ابتعدت وكأنه يملك سحر الجان في اجتذاب الجميع وحصانة من أي صد قد تظهره أنثى ترغب في الابتعاد...
هي مجرد ذاكرة أتعبتني... وجعلتني أكون وجها جديدا لي.. لأصبح صاحية الوجهين..
.... بدايات
هي مجرد ملاحقة للحدث أو حتى لصورتي وأنا انتقل باتجاه الأزقة، فأسمع خطواته خلفي... كان مرح الشباب يغتالنا في النهار، وكانت القضية في "بسمة" عابرة لأنها حركت الشبح باتجاهي فبدأت أقرأ تفاصيله، وانتهت قضية "رجل" الدراجة التي تنتمي للطفولة، أو عبث الشباب في مراحل المراهقة الأولى.. انتقلنا لمكان آخر لأن الرجل بدأ يكتمل اليوم، ولم يعد شبحا يريد تلمسني ثم الهرب بعيدا، وهو مكتوب بتفاصيل دقيقة بدء من الشعر الأسود نزولا عند الحاجبين والعينين الواسعتين وانتهاء بلحية توحي بأنه ينتمي على الأقل في المظهر لجيل آخر...
أتعبتني هذه التفاصيل، وحلقت للحظات مع الدخان المتطاير من لفافة التبغ، ثم بدأت أقرأ ملامح اليد التي تعصر "السيجارة" وكنت متأكدة من نوعية الشبق الذي يسكنه وهو يطبق على سيجارته بقوة، ثم حاولت أن اشتم رائحة غريبة... لم يصلني سوى الدخان فابتعدت قليلا وعرفت أنني أمام قوام نحيل لا يغري الكثيرات من الإناث... وابتعدت أكثر ثم أيقظتني نظراته فتداركت وابتسمت... وبدأت رواية أخرى، أو ربما وجه آخر لم يحاول أن يرسل مجساته باتجاه جسدي الذي كان يتطاير كلما لاحت يداه في الأفق، وربما بحدس الأنثى كنت أعرف ان الربيع يعشش في صدره، وأن حفيف أغصان يسمع من لمساته... ربما انتظرت كثيرا قبل أن أسمعه يطلق اسمي بشكل عفوي، لكن الثنائي لم يظهر لأنه يحب الاختفاء... أرنب من نوع فريد يقفز ألي في الشوارع بدل ظهوره في أروقة الجامعة، فيختفي نهارا ثم يصدمني فجأة في كل لحظة.. هل هي لعبة جديدة.. ملاحقة من نوع خاص... لم أعرف مسار هذه العلاقة التي تتطور بالمصادفة، بينما لا يدري أحدا هل ستكتمل أو أنها مجرد فيلم سينمائي طويل...
يلاحقني في الزقاق الممتد باتجاه منزل أتهالك فيه... انتظر اللحظة التي سيطبق علي ليقبلني بسرعة ثم يبدأ برمي كلماته عن روعة اللحظة التي يفاجئني بها، لكنني أعرف مسبقا أنه ورائي، وأشعر بكل خطوة يخطوها خلفي، لكن المفاجأة الحقيقية هي في اللحظة التي يخطفني فيها قبل أن يضبطنا أحد المارة بتهمة العشق، ثم نسير ليس أكثر من عشر دقائق ويختفي... علاقة مجنونة بالفعل لكنها قادرة على رسم ملامح جديدة لوجهي، وفي لحظات عابرة أضحك في سري أو أتعب نفسي بتخيله أمامي إلا أن يظهر فيمسك بيدي ويحلق بي إلى درب لنا وحدنا..
لم تستمر اللعبة كثيرا، لأنها انتهت في لحظة وجد عندما وجدت يده تدفعني نحو مكان جديد، فحلق به أو حلق بي لأجد نفسي داخل مساحة مظلمة رفض فيها أن أشعل حتى لفافة تبع وتابعت تفاصيله بانعكاس الأضواء البعيد، فكانت شفتيه تشع وسط الظلمة لترسم لوحة على وجهي.. لوحة لن أنساها، وصوت أنفاسه تتشابك مع "الموج" الذي بقي في أذني منذ أول مرة زرت فيها البحر، ثم اكتشفت تفاصيل جسدي من خلال صفحة كفة وحركتها على خاصرتي...
كنت أشعر بقسوة اللحم على جسدي لكنني لم أرى أي تفاصيل... فهل هي لعبة جديدة؟! لم أفكر كثيرا لأن الزمن سابقني وساحت شفتي بلهيب جديد، فكنت أكور يدي على أي مكان ألتقطه وأشاهد أطرافا للجسد المتحرك أمامي، فراقني ان الظلام يحتضن كل التفاصيل وبدقائق كان بريق ساقي ينعكس باتجاه السماء وأشعر ان جسدي يتقلص أو أن "طيفا" يتسرب إلى داخلي فيجعلني نهداي يتقلصان على إيقاع الحركة الدورية التي تسحقني بشكل متتالي.. فانقبض من جديد، ويستقر صوتي خارج جسدي ثم يتدفق الخصب ليزرع المكان، أو يسيل ليكتب ملحمة على أسفل بطني....
بحركة لا شعورية حاولت أن أصل إلى الضوء... كان نورا عاديا لكنه أبهر بصرينا وشاهدته يجمع ملابسه ويرتعد.. ثم يهرع للضوء ليطفئه.. وبلحظات احتفى من أمامي... لم أتجرأ على إضاءة الغرفة من جديد.. لملمت نفسي وانسحبت... وشعرت وأنا في الشارع أن مظهري يلفت نظر الجميع... لم أتخيل أن اللوحة التي رسمها على جسدي كانت معالمها باقية... لكنه هرب سريعا وهربت باتجاه معاكس..
انتهت اللعبة بعد ذلك... احتفى من أمامي لكنه لم ينته من حياتي لأنني بقيت أبحث عنه...
قفزة زمنية.... اغتصاب مشروع
عام ولم يعد... السنوات تتجاوزنا أحيانا وتضعنا في مساحة الموج الذي يضربنا وندرك أن ممتع بقدر ما هو مزعج، ففي اللحظة التي يقود القارب جموعا بشرية نحو البحر تعبق في الأنف رائحة الذكورة، أو ربما "الرذيلة"... هو مجرد تحقيق صحفي... مغامرة قررت أن أتبعها لأنها كانت تناديني، أور ربما تحلق فوقي كي أكتب عمن يحلمون بأن تغرقهم الدنيا بما هم محرومون منه.. فيرحلون سرا.. إلى أين؟!! هي مجرد جزيرة يتوفر فيها العمل... تتوفر فيها جغرافية غريبة، لكنهم يبقون بأيديهم الخشنة، ويبحثون عن السماسرة كي يقودونهم إلى حيث "المكسب" بالعملات الغريبة.. فهل يستحق الأمر المعاناة!!!
ربما... وهي ليست مغامرة للذكور، هناك إناث بأعداد أقل يصلون مع الغروب إلى الشاطئ... يُحشرون في المساحة الضيقة حيث تتراص الأكتاف وتتلاصق الأجساد، لكن الرعب الذي يحيط الجميع يجعل من الرغبات المكبوتة مجرد خيالات، لكن الرائحة كانت تصل أنفي بينما أعجز عن الوصول للتفاصيل، لكنها رائحة مميزة استطيع عبرها الفصل بين الإناث والذكور... إنه فصل مختلط.. فصل يمكن أن تعرف به على العهر البشري من الابتزاز إلى الخوف، بينما يصبح العقل أفضل من أي آلة تسجيل لأنه يلتقط كل شيء، فبعد ساعة يصبح ضوء النهار أوضح، ويغدو العبيد في المركب أكثر اعتيادا على رائحة البحر وحركة القارب....
الشمس في كبد السماء... هناك ملامح قاسية على القارب... والطعام يخرج من الحقائب وزجاجات الماء متوفرة أيضا، لكنني نسيت هذه التفاصيل وأنا أسرع لتحقيقي الصحفي... هناك من قدم الطعام.. والبعض تصدق علي بالماء... بقي التبغ... وأكتشف أنه عملة نادرة وربما من الصعب تحصيل لفافة تبغ واحدة فالنساء اللواتي لا يتجاوزن الستة لا يدخنون، ولا بد من جرأة الطلب من أحدهم وبرجولة عادية قدم لفافة وهو يتحسر ربما على فقدانها لكنه لن يرد طلب أنثى...
الليل يهبط من جديد... القارب على وشك الوصول والقلق بدأ يلف الجميع من جديد، هم عمال يتمتعون بصفة "اللا قانونية"، والقارب يحملهم بسرعة كي يصلوا للمكان المطلوب... أتجرأ على طلب لفافة تبغ جديدة... نفس الشخص قدمها من جديد لكن هذه المرة مع لمسة يد وقحة ومتعمدة، هل هو التوتر... ربما.. لكن اليد الخشنة حمّلتني مشاعر الغربة التي تسكن هذا الوجه الغريب، ولأول مرة لم أشعر بأن ما حدث "تحرش"، بل نوع من التواصل الطبيعي في لحظات الوحشة...
على اليابسة كان سماسرة من نوع جديد يتقاسمون الأجساد... لا أعرف كيف كنت مع مجموعة رجال فقط... ربما من حسن الحظ لأنني سأكون "المدللة" بينهم... كان لي الخيمة الخاصة إن صح التعبير.. مجرد قماش يعلو رأسي ولا شيء غير ذلك، فهمت أنه في الصباح سأكون في موقع أفضل..
لم يكن هناك الكثير من الوقت، العمل يستهلك الجميع، والفواكه تغطي الأرض... كان الغرباء يعملون ولا يرون أي أثر للمدينة... دون مال ينتظرون نهاية الموسم... الاختلاط بالآخرين هو ضرب مستحيل... والحصول على لفافة تبغ أمر مستحيل آخر... تعودت في البداية على إيقاف التدخين ليلا... لكن منذ الصباح أبدأ محاولاتي في الحصول عليه، وعندا يزودنا السمسار ببعض منه كان يأخذ ضريبة غريبة.. هو ليس مستعد لشرائه لنا.. وهو أيضا لا يرغب في تركنا نشعل سيجارة توقفنا عن العمل... الضريبة من الرجال هي حسومات مالية أما ضريبتي فكانت مختلفة... كان علي رفض هذا العرض الذي يجعلني جارية لفافة تبغ... لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، لن الجميع اشتم رائحة غريبة مني.. أو من جسدي...
اليوم السابع... الليل يلف الجميع، وهناك مكان للخلوة... مكان لكي تصبح القذارة خارج جسدي... عارية مثل حورية أبحر أغسل تراب الأرض الغريبة عني... لم أكن أتخيل أن هناك من سيطوق خصري، ارتعدت مسامات جلي، ومن خشونة اليد عرفت أنني أمام أغرب حالة اغتصاب... غرباء يلتحمون في لحظة واحدة، كان من القوة ببحث لم استطع تمييز ما يحصل، فهو بالفعل يهرس جسدي ولا يستطيع الولوج إليه... كانت رغبته أسرع من أن تمنحه دقائق متعة، أحسست بسخونة تنسكب أعلى مؤخرتي وأدركت أنه أنهى عمله بالإخفاق.. كان اغتصابا غريبا ربما لأننا في بلد غريب.. ربما لأنني لن أمنعه طالما أنه سيفجر كل حزنه وإحباطه على جسد امرأة.. بلفتة سريعة أبقيت جسده ملتصقا بي.. توقف الماء المنسكب على رأسي.. تأملته بغضب ثم بشفقة... قبلته حتى أعاد الكرة، لكنها كانت مختلفة... توقف زبد الجنس... تحولت أصابع ليد ساحر يعيد ربط أطراف جسدي...
من يتعلم الجنس يدرك أنه لن يمارس الاغتصاب ثانية... لن يهرس جسدي بعد الآن بل أغرق في مساحة الشعر الأسود وأتسلى بقطرة شهر تهبط من على صدره إلى مساحة ساقيه... هو أيضا عابر سبيل يأخذني إلى بترانيم يعزفها بشفتيه على الخاصرة، أو على بياض البطن وانحناء الساق.. يغني بتأوهاته فيمتع أشجار الكرز البعيدة، وربما لا يوفر مساحة مني إلى ويخترقها... في النهاية أشعر أنني أسحقه، أسحبه إلى داخلي فهو اقتحمني بكامل جسده فتنفست أعضاءه، أو تناولتها وكأنها وجبة سريعة...
عدنا... الرواية اكتملت عن الغرباء الذين هاجروا وعادوا... عدت بتجربتين وبعملة غريبة... ربما نمت بعد ذلك لأيام لكن كل التفاصيل ذهبت إلا صورة الضوء المعلق فوقي وتفاصيل متعته المرسومة على عينيه ورعشة ساقيه....
هكذا رأيته.. هكذا بدأنا
لم تكن مجرد صورة جداريه، لأنها تحملها عامين كاملين من الزمن المسفوح على أنثى... يمتص مساماتها ويعيد كتابتها عبر شبق السماء للالتصاق بالأرض أو للحفر عليها وتشكيلها بخصر وساقين وحتى نهدين يناديان من يراهما كي يغرق في زواياهما. إنها قصة بدأت نهاية الربيع وربما حملت معها هذا الخصب الذي تدفعه الأرض نحو الوجه، فلم أكن استطيع رد النسمات التي حملت رائحة بعبق الياسمين الدمشقي، فالمدينة يتملكها الشبق ربما لحجم الجمال الذي يتمرغ بها، وهي في النهاية دمشق التي تدفق خصبا كأنثى فتورق أيادي الرجال وهي تلامس الجسد الناعم.
كم من العشق لاحقني حتى جعلني أقف من جديد، أو أكتب سيمفونية في الوجه الذي يتوقف أمامي ويرتجف الحنان من بين حينه، فيصبح الحاجبان الكثيفان شجرتين أركض في ظلهما وأتمرغ في رائحة ميزتها من اللحظة التي شاهدت فيها "البريق" الذي يلمع في النظرات، وللقصة بدايات لا يمكن الهروب منها لأنها حسب "خبرتي" ملحمة خلقت معها كل الشغف الذي حاصرني وحاصره، ثم تكورت الدنيا من حولنا، ولكن لكل لحظة معه نغمة خاصة أو ربما نشوة يرتعش منها كل من تهب النسمات عليه، فنقطة الانطلاق لم تكن مهمة إلا ما خلفته على وجهي، فكانت شفتاه تتحدث سريعا وتخفي خلفها ألوان الخجل، وفي الداخل، داخلي، كان الرهان حول مساحة الحب التي يستطيع تحملها، لكنني كنت أتابع حركة الشفتين وأتخيل ملمسها، وأحاول أن أتابع هامش الشارب وما تحمله الوجنتين من قدرة على التغلغل داخل الجسد، ومداعبة زاوية الساقين... وبحركة خفيفة حاولت أن اشتم محيطه.. ربما اقتربت أكثر من اللازم.. التصقت ساقي لثواني بقدمه، وربما اشتعلت عيوني لكنه بقي مرتاحا بحركة وجهه.
أصبحت مدمنة على سماع صوته ومتابع أحاديثه، وربما بدأت بتعمد ترصده ... كان يبحث عني وأنا متأكدة رغم صرامة لقاءاتنا، وأحد الأصوات التي كانت تطرق أذني تنبئني بأننا خلقنا من ماء واحدة رغم التناقض في مساحات اهتماماتنا... كانت تجاربي قاسية بينما لا يبدو وجهه على أي مساحة توحي بشطف أو ظلم طاله في تفاصيل الحياة، لكن المهم أن المسافات كانت تقصر بيننا أو ربما تنتهي، في وقت تتسع الحياة وتجعلنا نغرف منها ولو بالكلام، فهو من طبعه غير مبادر... يستمتع بالكلام... يخالف التوقعات في شكله وتصرفاته أو حتى قدرته في التعبير عن نفسه... كنت متأكدة أيضا أن خلف البرود طوفان جنس يحاول الاختباء وراء جدية المسائل التي تصبح مثيرة وهي تنهمر من شفتيه.. هل كان علي أنا أعانقه حتى أكسر أسوارا كانت تغلف كل رغباته.
هي أيام سريعة سبقت نهاية الحياة الدراسية فشكلت الفارق النهائي بين البقاء أو الرحيل، لكن صيف دمشق كان أحلى... والليالي المقمرة أغرتني أو ربما سحبته أكثر نحو البقاء، أو التجاذب لنصبح كتلة لحم بشري تنبض أسرع من دفق الأنهار، وربما كانت المرة الأولى التي أردته فيها فانكشف وجهه مع نصف القمر الذي كان يجلد وجهينا في ساحة غرفتي الفقيرة.. أو المبتورة، أو حتى المختصرة بكرسي وطاولة وفرشة صوفية...
منذ اللحظة الأولى كان يتصبب عرقا وكنت اشتم اللؤلؤ الهابط على صدره فيغرقني بأنفاس سريع ثم بغوص داخل نهديّ فيطوقان وجهه وأشعر بأنفاس طفل صغير تداعب حلمتي فيلامس ندى الربيع زوايا كانت منسية بين النهدين المتحفزين لمزيد من القبلات.. لم أكن أعرف أن الجنس "الشفوي" يمكن أن يصبح صلاة تردد على معبد قديم، لكنه أقنعني بالقدرة على تلبس المتعة أو اقتناصها رغم صرامة شكل عينيه اللتين قلت عنهما مرارا أنهما سبب ابتعاد الإناث عنه لأنهما تقدمان جدية تفوق المعتاد.
هل هو "بتول"... الإرباك يتفاعل مع اللحظات وربما أدرك انه لا يستطيع ان يستقر داخلي، أو يخاف على عذريتي التي قررت سحقها أمام سيل ينهمر منه.. أم ان عذريتي كانت حلما ضائعا انتهى وولى منذ زمن.. في هذه اللحظات لم أكن أفكر في مساحة "التابو" الذي يحنقني عادة لأنني أردت بشدة التحرر من كل القضبان التي تنهمر علي في لحظات السعادة، لكنه بقي تائها أمام الخطوة التالية، وأصابعي تتشبث بخاصرته وربما تدميها.. هل كان علي التحرك... هي ساعة وجوم ثم شعرت بشيق يقصمني من وجع أو ربما ألم أو حتى بريق سحب عيني نحو الأعلى... لحظة بلحظة كان ساقاي تتماسكان تحت إيقاع الدخول السريع الذي لم يكن متوقعا وسط لحظات وجوم أو تردد من متابعة الشبق...
على عكس الروايات أو الأفلام التي ملأت عقولنا كنا نسير حتى النهاية، أضعت شفتاي اللتين لاحقتا نزوته إلى زوايا الخصب، وربما لامستا لأول مرة أماكن لم أكن أتخيل أنها بهذا الدفء، أو أنها تستثيره حتى تنفذ أصابعه داخل شعري.. كنا خبيري متعة رغم ضحالة التجارب.. وانتهينا مثل وميض جميل أو منحوتة للخصب مزروعة داخل أيقونة من القرن الثالث عشر...
أول عمل قمنا به صباحا هو التقاط بعض الصور... لأنها بالفعل لن تكون صورا نهائية.. هي حياة تنبض ومعلقة إلى جانبي لتذكرني بالقادم والماضي.
كاميرا تشدنا.. التقي حتى التلاشي
في كل لحظة قادمة سأجد عبقه يرتعش في داخلي، ربما لم أعد قادرة على تخيل أي مسافة تقف بيننا، لكن الحياة تفاصيل، وهي تقف بيننا في كل اللحظات فالزمن لم يتناسب وحجم انفجار مشاعري أو حتى قدرته على تحمل مزاجيتي أما تسارع الحياة، لكن الخيال يتجاوز دائما مرحلة التفكير عن حلول، فنحن نمرح بعقولنا ولا نستخدمها، ونحن نحضر السماء إلى جغرافيتنا عندما نريد، وربما بنفس الطريقة فاجأني بسراء كاميرا.. لماذا؟!! لأنه ستجعلنا نغرق أكثر في الصور التي اندمجنا بها... ومرة أخرى هي ليست مجرد صور لأنها تختزن الحرارة التي تدفقت، وتجعل من الحركات دراما كاملة يمكن استحضارها لحظة الابتعاد أو حتى التواصل...
كاميرا ربما كانت حلا لكنها أصبحت جزء من التفاصيل التي تشد الوجد نحونا... وبمجرد ان يحملها أصبح دمية تهوى العبث، ويتطاير القماش من حولنا حتى يصبح بريق اللحم أسطع، وبإمكاني من خلف العدسة رؤية التغيرات التي تحدث، وملاحظة انتهاء الهدوء الذي يخيم على الوجه وابتعاد الساقين ثم ضيق البنطال بصاحبه... هي مجرد عدسة تقلب الأوضاع ليصبح الصخب سيدا، ومجون اللحظات يتحرك في كل الاتجاهات فأتمايل أمام الحركات التي تشعل إثارتي وتلتهب الغرفة للحظات، فيطبق الهواء على كتفي وينحدر بنعومة نحو انحناءات الجذع ليستقر على خاصرتي فأتحرك أو أتلوى وأراقب الطيف من على العدسة التي أصبحت شاهد عيان...
لم تعد المسألة مجرد حماس للتداخل أو الخصب، بل أصبح هناك تعبير أضافي يرتسم أو يصبح خالدا معنا، فنتباهى أمامه أو نحاول إثبات قدرتنا على إنهاك بعضنا، وربما يبدأ فصل جديد قبل أن ننهي طقسنا الأول، فما يحدث يتجاوز "الأمل" في شبق أخير، فتندلع شرارة أضافية توقدها حركة الكاميرا بيديه، أو بطرقة خطفي لها كي أسجل التضاريس الجديدة للجسد لواقف أمامي، فيرتعد لأنه يجهل كيف يبتسم لها، أو ينفجر تاريخ كبته فيقتنصني من كل المساحات، وأحاول البحث عنه فأراه خلفي يتحرك بنعومة أو أمامي يمتلك نهدي، أو حتى أسفل وجهي يعاين مساحة الخصب أو يبتلعها...
لم يعد الزمن يستطيع الهروب، فبعد شهرين فقط من أول مرة صادفته فيها كان باستطاعتنا إنتاج أفلام وثائقية عن "فن الحب"، وعن رعشات الأجساد، وحتى عن التفاصيل التي ترتسم على شفاه في لحظة ملامسة السماء... هل كتبنا تاريخنا على المساحة الرقمية التي تحمليها الكاميرا... ما اعرفه أن ولعي أصبح في تأمل ما أنتجناه وترتيبه على صفحات خاصة داخل الكومبيوتر.. فأشاهده وأنتشي بطريقة مختلفة، لكنني سرعان ما انتقل إلى موقع جديد لأكتب بضع كلمات تجعل من الصور تتحرك، فأشعر انه بدأ يلتصق بي، واختل في حفلة عري جديدة وأعانق الهواء بانتظار قدومه... هل ما فعلناه مجرد اقتناء كاميرا؟! الآن أدرك أنني كنت أسجل لحظات سأعلقها نياشين على ما بين "الصرة وأول الساقين لأخفي المناطق التي كان يجتاحها، أو ربما لأجعلها مفتاح سعادة إضافي بعد أن أصبحت أميال من الغربة تعصف بنا.
قيثارتي الجديدة... لحظات تخترق السماء
عندما يبدأ الصيف بالرحيل فإنه يزحف ببطء على جسدينا، لكنني تعلمت انه يفتح المسامات كي نخرج منها ما نريد، ففي نهاية الصيف هناك أيضا نهايات أخرى، فدورة الحياة تنعكس أحيانا على وجوهنا... يغلفني الخوف من أي نهاية فأسرع لاقتناص الحياة وكأنها لقمة واحدة علي مضغها، أو علي الحرص على استبقائه معي قبل أن تصبح النهاية حقيقية فيرحل... أوقظه في الليل.. أقبل جسده وكأني ألتهم فاكهة على وشك السقوط من على الشجرة، وأعرف أنه سيتذمر لأنني قطعت غفوته، لكن عينيه الناعستين تطبقان وهما تحملان لذة دفينة بينما أنحدر بقبلي باتجاهات مختلفة حتى أصل إلى ذروة لذته... فأقف لأتأمل.. مجنونة أنا.. أم ان الزمن العبثي فجر داخلي بركانا من الرغبات التي بقيت نائمة منذ مولدي....
إنه قيثارة نعزف عليها بشفتينا فتنبت الحياة من أطراف أعصابنا، كم هي غبية تلك المصطلحات التي نحفظها.. (قضيب) أمر يوحي بأننا أمام ورشة بناء، أفضل أن يكون قيثارتي التي أعانقها وأضمها ثم أتركها تكتب على وجهي علامات تترك أثرا تجعل شفتي تشتعلان وترتجفان فأعاود توزيع قبلي على تلك القيثارة التي تتشنج وترتخي وتوحي لي بتعليقها أو حتى تركها تسبح في جوفي.. لا يهم ما هو هذا الجوف لأنها تتركني أتوحد بها... قيثارتي التي أريد تركها تعبث بي أو أعبث بها...
كم من الوقت مضى حتى شعرت بان العينان الناعستان بدأتا تصبحا كنافذتين مشرعتين تراقباني وأنا أداعب قيثارتي، ولكن بحركة سريعة أبحت عيناي باتجاه السقف والعينان فوق تحدق في، وشعرت للحظة بأن قيثارتي تتوه في جوفي... تتلوى وهي تتسلى على إيقاع تقلص عضلات بطني.. أصبحت أنا أيضا قيثارة تتوه بهما شفتان ووجوه غير حليق، يترك احمرارا على لوني الحليبي، لكن جلدي الذي "يُحرث" يتعطش لمزيد من "الحفر عليه وربما يمتص كل شعرة مستقرة على الساعدين أو على الصدر أو حتى بين الساقين...
في عتمة لي لم يعد للنهايات معنى... كنت أرتب تفاصيل جسده من جديد، بعد أن استقر لجاني من جديد... يعلو زبد الجنس بين ساقي وأشعر أن شبقي لم ينطفئ بعد.. أتلمس قيثارتي لنائمة وأحاول أن أوقظها من جديد، لكنني اكتشف أنها غارقة في أحلامها فأطبع قبلة على رأسها، وأحاول النون دون جدوى.. هناك جني في داخلي لم يوقظه الجسد الذي طوقني ثم استرخى بل كل الأيام التي أمضيناها.. القبلات التي انحفرت على نهدي، والبصمات التي انطبعت على مساحات جلدي... ربما غرفت معرفة جديدة لكنها بقيت خليطا من الجنس والعشق والثقافة جديدة... ثقافة الجسد التي تعلمتها خلال الصيف، وثقافة "الحرية" التي كانت تسبح معي أينما ذهبت، فأصبحت أكثر إثارة أو هذا ما أسجله من النظرات تجاهي، وابتسامتي أصبحت "أعرض"... بينما غدت أجساد الرجال مجال لخلق "وعي مقارن" بين ما أحصل عليه وما هو موجود أمامي...
نهاية الصيف تحذرني من أن الخط النهائي على وشك الوصول لذروته... الجامعة انتهت... أشهر التدريب انتهت.. على البحث عن فرصة عمل خارج مساحة الجسد الذي يظللني، فكيف لي ان أتركه... هل استطيع تخيل ما سيحدث... وإلى أين سترحل قيثارتي؟؟ أسئلة تشوش مساحتي....
معنى الرحيل.. أم تجربة مبتكرة
للمرة الثانية يهبط منديل على وجهي، هي مجرد تجربة أولى، مثل كل التجارب التي نعتقد أنها لن تتكرر، لكننا نقع في حدث يترك لدينا انطباعا بأنه يحدث للمرة الأولى، فبابتسامة رقيقة انحنت فتلقفت المنديل... وعلى اليمين تبدو النافذة ومن خلفها زرقة السماء، ولو أن ما حدث اليوم كان غريبا لكنه في النهاية حد فاصل بين زمنين، ولو أن الطائرة طافت بي العالم قبل عام أو عامين لشعرت بإثارة لا تقوم، لكنني اليوم أحمل مساحتي وأرحل ويطوف حولي وجهه وابتساماته وكلماته التي علمتني أبجدية التعبير... اكتشف أنني لم أكن مولعة فقط بقدرته على إخصابي، بل أيضا بطاقته التي جعلتني "أفكر"... أكتب ما استطيع وأجمع الصور التي تميز حميمية اللحظات التي ابتدعناها، فإذا ابتعدت قليلا فلأنني مازالت قادرة على عشقه وتجسيده امامي وتخيل قدرته على إقناعي بأن امتلاك الجسد هو معرفة... ليس شرطا لامتلاك الجسد أن تمارس الجنس، وهو ما يميز العاهرة عن العاشقة.. أو التي تدخل في "جماع" عن تلك التي يخطفها الوجد فتنبش جسد الرجل بدلا من أن ينبشها، فامتلاك الجسد هو "معرفة" من نوع خاص نقلت الغرب إلى حضارة مختلفة، وربما أبقتنا نمتلك الأجزاء.. أجزاء الحرية.. وأجزاء المعرفة وحتى أجزاء الحياة.
هي نقلة لم أقرر القيام بها بل جاءتني بمحض المصادفة... حملت إلى تباشير الدخول في جغرافية جديدة فأن أسافر يعني أن أرى عوالم لم أكن أعرفها، وربما أن أحصل على "معرفة" إضافية، فأنا لست مولعة بالشهادة التي ستمنح لي بعد عامين أقضيها بالدراسة والتدريب، بل بالفرصة بعد أن أنهيت عملي ولم أجد فرصة عمل جديدة.. منحة دراسية لكنها في نفس الوقت "حد" يفرض علي كي "أغادره" وانا في ذروة العشق... قررنا نسيان الوداع... قررنا التبرج ليلة السفر.. سحق المحرمات والوصول إلى نشوة تطابق لحظة الخلق.. فشلنا لأن حماستنا كانت تسبقنا، فكانت قيثارتي عاجزة عن عزف اللحن الكامل، أما نهداي متحجرا.. تصلبا... قضينا الليل ملتصقين نقرأ الشعر... لم اكن أتخيل أنني سأحب الشعر.. لم أكن أعرف أن "نزار قباني" سيقدم لي شيئا، فهو مولع به.. وأنا لم أكن أحفظ من أشعاره سوى ما يردده المطرب كاظم الساهر...
كان الشعر جنسا جديدا... طاف بي على ملامح وجهه فقبلته وأنا ثملة... ثم عانقته وغفوت لحظة واستفقت ونفير الجنس يطرق طبوله لكننا فشلنا أيضا.. هل تكسرت شهواتنا.. لا أدري فالمحاولة الثانية كانت تعبر غصبا عنا عن لحظات الوداع... وكانت يداه كقائد عسكري يأمر جنوده بتغليفي ووضعي على السرير... كنت عاجزة أما هو فكان مثل الغيم يتحرك بأسرع مما تسمح به الرغبة التي تجتاحنا....
بقينا فاشلين حتى لحظات الفجر عندما بدأت أشعة الضوء توقظنا... فطوقته لاكتشف أن قهوة الصباح أطيب عندما يغلفها الملمس المتبدل لساقه اليمني التي زرعتها بشكل مختلف، ووضعت عليها كل ثقل "أسناني" لكنه لم يتوجع.. كنا نغتصب بعضنا ونمارس سادية وكأننا نريد الانتقام من أنفسنا نتيجة الفراق الذي سيداهمنا بعد أقل من ساعة... لم تكن ضرباته السريعة على موخرتي العارية تشكل ألما رغم أنها أصبحت مثل حمرة الشفق... ولم تكن طريقته في الولوج إلي تجعلني أشعر بأي "إذلال".. هو يمتلكني.. وأنا أمتلكه.. يعصر نهدي فأقضم ساعده، يستخدم أصابعه العشر كي ينبش مؤخرتي فأطبق عليه وأشد على "قيثارتي" كي تنشد لحنا مختلفا.. لأول مرة اكتشفه أنه قادر على ابتلاع حلمتي بكاملها وعلى جعلي نهدي تهتزان من عنف اقتحامه لمؤخرتي.. كنت أشعر أن جسدي يتمزق وأن كفاه اللتين تمساكن خاصرتي ستخلفان بهما ندبا، لكنني اكتشفت أيضا أنني جعلت كتفه ينزف وشفته السفلى زرقاء... لم يكن هناك وقت كي نتمدد، شاهدت على المرآة الصغيرة بقعا زرقاء على جسدي، لكنني لم أفكر كثيرا.. وشعرت بألم بين ساقي.. يبدو أنني خضت معركة لن تتكرر...
سلب عذرية مؤخرتي لكنني لم أشعر بالإهانة... كان جسده متكورا في زاوية الغرفة واستطعت تمييز بضع دمعات هابطة على وجنته... عدت لنبش شعره وأقبله من جديد.. عدت لأحضن كل أعضائه واستنشقها أو أبلعها.. وكأنني أريد الاحتفاظ بها لنفسي... دقائق قليلة قبل أن أغلق باب خلفي ثم أتوجه للمطار وجسدي يرتجف ألما أو حزنا لا أدري... لكنني أعرف أني سأجده من جديد.. سأجده لأنه التجربة التي استحقها...
المدن الدبقة... والأحياء الشبقة
سأبدأ من الساحات التي سحرتني، وتركت الهواء البارد يلف جسدي وأنا المتعودة على دفء خاص، وعل جعل نهدي يستقبلان حرارة الشمس... حاولت أن أمنع دفق الجليد من التسرب إلى زوايا جسدي، لكن هواء الخريف كان أقوى من كل الثياب التي تلفني.. هناك صور تجعل من صقيع المدينة ماردا يطارد الجميع، فمن اللحظة الأولى، ومن المطار الذي بدا كمدينة مهاجرين اجتاحت مساماتي حالة مختلفة، فيها "الكآبة" التي أطلت من البيوت الرمادية، لكنني عرفت أن هناك شبق يتكلم في كل خطوة داخل المدينة من "ويست مينستر" إلى "ترافلغر سكوير"... مدينة قادرة على منح نشوة مجانية لكن من يضاجع هواءها أو يعانق أزقتها أو جسورها الممتدة على نهر لا يُسمع هديره... كان من الممكن للمتحف البريطاني أن يصبح ساحة خاصة تبتلع الجميع، لكن الأبنية حوليه تجعل من المستحيل قراءته دون تعليق عبارة ماجنة... شباب يتسربون من كل المساحات وأتذكر رواية قراءتها عن نفس الأماكن التي أتجول فيها... كانت رواية يفوح منها الجنس، رواية حدثت في العقد الخامس من القرن الماضي عندما كان البوهيميون يشكلون مساحتهم فوق لندن، تغيرت الوجوه وبقي الجنس عالقا على شوارع المدينة.
لم يكن مقدر لي أن أتوه... لكن الأيام الأولى بدأت بالوحشة.. بغرفة أنيقة لا تقارن بمساحة غرفتي في دمشق.. بدأت ببرود يجعلني أتكور على نفسي فتبتعد الأضواء رغم أنني في مركز الحياة، وداخل الحضارة القادرة على منحنا كل شيء، إلا أن ظله كان يمنعني من أي شي... يحول بيني وبين الشهوة المتقدة في عيون الطلبة أو حتى الأساتذة أو في مسارات الميترو الذي يهرب كل يوم إلى عمق الأرض ويأخذ معه كتلا بشرية متارصة تحمل الطابع الجليدي على وجهها... وجوه مثلثة تصبح صفراء في الليل وإناث يترنحن في أمسيات السبت، فأشفق عليهن او أشف على نفسي لأنني غير قادة على مجاراة دفق الحياة اللندني.
سأصفها على قدر طاقتي... لأنها اقتحمتني كمدينة غريبة، وشكلت قوانينها فوقي، ثم لم تدعني التقط أنفاسي فوجدت نفسي منذ الأسبوع الأول أجرب جرأتي على "حاناتها".. يقولون أن المدن تنغرس في الجلد وتترك أثرها على عيون سكنها، وكنت أحاول التحديق في العيون، وأتعمد الدخول إلى "السوهو" لكي أرى التفاصيل المفقودة في مدينتي... وفي صورة غريبة تسللت في امسية السبت للمراقص، وكان بمقدوري أن أشعر برائحة الأجساد من حولي، وبدعوات الجنس الصريحة.. كررت في الأسبوع الثاني وكنت أبدو غريبة في أماكن تضم كل جنسيات العالم.. ومرة أخرى لا مست شبق الجميع حتى وجوه الإناث اللواتي يبحثن عن مثيلاتهن.. هو مظهر لا يدعوني سوى لتكرار البحث كل سبت عن مرقص جديد لأتحرر من وجه ودعته ومازال ملتصق بي...
شهر واحد كان كفيلا بتغيير تفاصيل وجهي ربما من السهر اليومي أو من نبش الكتب في المتحف البريطاني صباحا ومن التحديق بالوجوه والأجساد ليلا، هي مرحلة انتظار كي يجدني شخص جديد أنتظره كي أبكي على صدره ولع الغربة، لكنني أخطأت الطريقة، ففي مدينة مباحة لا يمكن الانتظار كثيرا لأن الخيارات أكثر مما نتوقع.. شهر واحد أدمنت فيه العادات التي تدفعني مساء لبارات كل ما فيها يكتسي اللون الأصفر... وأمامي شبان علي اختيار أي واحد منهم دون وجل، فوجهي أصبح مألوفا لهم وجسدي ربما بقي السر الذي يريدون اكتشافه.. إنه أشبه بمطعم وعلى اختيار وجه من اللائحة المقدمة إلي، وعلى الأقل لن أشعر بالكثير من الحرج فأنا الغريبة هنا، وأنا المشردة ما بين الجامعة والمكتبة وبارات لندن....
هو قرار على اتخاذه... ربما قرار خيانة أو تحرر من علاقة لا أريها أن تكون ورائي، لكنها بالفعل ورائي... فبعد أن أقضي عامين من الغربة ما الذي ينتظرني هناك!!! قراري كان أن أشرب كأس الجعة لآخره... أن يتسرب الخدر إلى أطرافي وأن أسمح لتلك الوجوه بالتودد إلي.. هي حالة سكر خاصة... ثمالة غريبة لم لم يتعود طعم الكحول وقرر فجأة استبدال الرشفات الصغيرة التي كانت مجرد إيحاء للآخرين بأن يشرب كأسه إلى جرعات تملئ الفم، فتصبح الكلمات أسهل وربما التودد أكثر معقولية.. اكتشفت أنني وجنتي استقبلت أكثر من قبلة، ولكن ملمس كل واحدة مختلف عن الآخر.. حاولت التدقيق بتلك الأجساد التي تفوح منها رائحة غريبة، ووصلت إلي أصوات خطوات باتجاهي لكنني لم أردها، ثم قررت الهروب فجأة وتعثرت وانا أسير وطال بي الطريق... كنت ثملة من كأس واحدة... كنت ألملم دموعي وأحاول تذكر الليالي التي بقيت من زمن آخر... كانت الغرفة في النهاية محطة ألقيت فيها إرهاقي، ومن النافذة شعرت ان المدينة تريد اغتصابي ولكن يمنعها الدجاج الذي أغلقته وانا أقف خلفه فاحتمي من البرد ومن شهوانية المدينة.. لا أعرف كيف أصبحت عارية امام النافذة فتلمست جسدي ببطء شديد محاولة ان اعيد إليه ذكرياته بعد ان اهملته كثيرا، مررت يدي على ساقي، ووصلت إلى مناطق الخصب، ووضعت يدي على مؤخرتي وتذكرت انها بقيت تؤلمني أياما بعد أن فقدت عذريتها قبل أن أغادر دمشق.. حلمت انني أعزف على "قيثارتي" وأمرر شفتاي ولساني على أوتارها المخفية فتنبض بسرعة قبل أن تقذف أنغامها على وجهي.. تخيلت أني أنام على حر الصيف الدمشقي واستيقظ على يد تتداعب حلمتي قبل أن يوقظني ضوء الشمس....
ليلة قاسية انتهت بعد إغماء طويل ثم اكتشفت أنني عارية على الأرض وارتجف بردا... أنهيت حالة القسوة بصلاة سريعة علمتني إياها أمي ولم أبالي رائحة الجعة في فمي، فرددتها كي استطيع النوم من جديد...
تجارب تلمع...
"أنت تجرحين الورق"... هي مجرد عبارة أو مجاز تنطلق لتعبر عن المساحة المخنوقة منذ اليوم الأول للغربة، لكن هواية "جرح" المساحات لم تكن فقط للورق بل للهواء الذي يخنق المدينة، فالمسارح وصالات السينما كانت طيفا يظلل اللحظات، بينما تبقى "أبهة" العلم شأنا يرفع من الطاقة على الأخص عندما يصبح "فيليت ستريت" مكانا مربعا يحاصر الكلمة.. شارع الصحافة الذي هجرته المجلات العريقة لم يعد سوى مقاه يمكن أن تسمع فيها "بطولات الورق"، وشفاه تحاول اقتناص ما يجري وراء "مطابخ التحرير"...
في المدن التي أدمنت القراءة هناك أيضا طعم آخر للمغامرات، وفيها كلمات غزل غريبة تقضي الساعات وأنت تفكر فيها لأن "ثقافة الجنس" لم تطرق العقل بعد... "الجسم المشدود إلى القدم" هي عبارة أخرى كانت تعني أن هناك ذروة في المتعة لا يمكننا تخيلها أو استحضارها.. ولا يمكنني ملامستها لأنها في النهاية تجربة تلمع من بين الأصابع وتغوص نحو "الكعب" والشرايين التي تجعل من القدم قمرا فضيا، أو على الأقل هذا ما فهمته بعد لحظات من الجلوس أمام عينين زائغتين بالأرض لاكتشف أن فعل الغرام ربما يتبدد، فيثير فضولي وأبدا بسحب الكلمات ثم أنظمها كي تبدو مثل قصيدة ترسم قدماي اللتين تسحبان جسمي باتجاه آخر... وأدركت أن علي تطوير مهارتي في اكتشاف جسدي فبلحظة ظهرت "الأمية" التي تتملكني وأنا أحاول ملاحقة المفردات التي ألقاها أمامي وهو يتكلم من طرف شفتيه بينما بقين عيناه تلامسان قدمي قبل أن تصعدا باتجاه ساقي... كنت عاجزة عن استخدام عيوني بهذا الشكل في مكان عام، رغم أن "التحديق" لم يعد غريبا علي... وتحريك الجسد بالنظرات هو السمة الأكثر شيوعا في بلدي على الأقل، لكنه في عاصمة الضباب بأخذ زاوية أخرى تجعل من مساحة الجسد مسرحا للرقص المنفرد أو حتى الجماعي فأشعر بأن عضلاتي تتقلص ربما بـ"حمى" الجنس التي تسكن المدينة أو بقدرة العينين على مداعبتي ولو عن بعد...
لم أقرر خوض التجربة بعد.. لكنني على بعد أمتار من تمزيق تفاصيل الماضي أو إعادة ترتيبها وفي شكل جديد، فأترك ابتسامتي تلاحق العينين كي تصبح "الرسائل" المتبادلة لونا آخر لا يألفه "الإنكليزي" الذي على ما يبدو قرأ ألف ليلة وليلة ويحلم بسحر الشرق لمجرد النظر إلي، وهو في النهاية مجرد حالم بليالي لم تظهر في الشرق أبدا لأنها خيالات جنس مبتكر بعد أن مرت عقود على احتجاب النساء، فكان مثل المستكشفين أو الرحالة الذين زرعوا الشرق وكتبوه على شاكلة أحلامهم... كان يسرح بي ويحاول منحي الوقت الكافي كي أتأقلم مع ثقافته، ولم يكن يدرك أنني ابتكرت ألواني أيضا وأن الحاجز الذي يفصلني عنه هو وجوه دمشقي لا استطيع الانفكاك عنه... ربما حاولت شرح ذلك لكن تعابير وجهه الحليق توحي بأنه لا يصدق أو أنه ينتقص من جرأتي.. لكنه لم يدخلني في مرحلة التحدي... أنا أدخلت نفسي بها ربما لانتقم من "شهرزاد" التي تشكل صورة واحدة في أذهان جميع الذكور...
كانت دعوة رقص عادية في ليلة سبت... قتلتني الأضواء الملونة وصخب الموسيقى التي لم استطع اعتيادها، وربما ثملت من كأسين حاولت تجرعهما بسرعة حتى استطيع التخلص من تاريخي والتصق به في رقصة فاجأته وربما فاجأتني، لكن على عكس رجال "المشرق" لم يتخشب... أو لم أشعر بارتجاف جسده كان يلامسني ربما مشجعا وبقيت عيناه تسرح في قدمي.. وكلما رفع رأسه طبع قبلة على حدي تنتهي بأطباق على شفتي... هي خبرة مكتسبة على ما يبدو لا أجيدها كثيرا لأن التقبيل وسط حشد يحرجني.. كنت أنا من تخشب.. فأصبح فمي وكأنه فوهة كأس فارغة...
حاولت استعادت لياقتي داخل منزله الصغير... كان في صدري زجاج يتكسر لكنه لم يوفر الوقت كثيرا لأنه بدأ يلتهم أصابع قدمي... لم تكن نزوة بل شهوة تربطه بتلك القدم التي تأملها لسهر قبل أن يحصل عليها.. كان يحنو عليها ويضاجعها وأنا أحاول أن أفهم نوع اللذة التي تدغدغني فينتفض نهدي سريعا أو تتسارع دقات قلبي، لكنها كانت تسير مثل السحر باتجاه الفخذين فأرصهما وأحاول أن أجد فرقا في نظراتي إلى تناسق جسمه الغريب، وربما للحظات أدركت أنني أسير عارية من الماضي الذي لم يعد ذكرى جميلة بل جرح أحمله تحت أبطي، بينما عجزت عن التوقف لأن خدر الكحول استبقاني في حالة استرخاء حتى ارتفعت شفتاه نحو فخذي اللتين التصقتا مجددا بحركة سريعة.. كان الخدر يصل إلى مسافة الخصب التي بدأ ينبشها بوجهه، ثم استدار ليتابع تقبل مؤخرتي بشكل سريع ومتتالي...
لم استطع متابعة لهاثه الحار عندما أصبح مستقرا في داخلي، لكنني على الأقل كنت أعرف أنه يمتلك "الحذر" الكافي ليلبس واقيا قبل أن يندفع بشكل انسيابي إلى أعماقي... تظاهرت بالانفعال.. أو بالعذاب... ربما كان جوفي يتكسر وهو ينس صعودا فيجعل نهدي يهتزان على إيقاعه، لكن انكسار نظراتي كان أعمق من يلاحظه في ذروة الشبق والمتعة لأنه استطاع أن يطوق فتاة من الشرق.. ربما الفارق الوحيد هو الزمن الذي منحني إياه كي أعرف أنه يمتز بتناسق عضلي وبقدرة فائقة على التحرك السريع... على اللعب فوق الجلد الذي استقبله ببرود، وكأن خيار "رقصة الجسد" قدر لا بد منه، لكنه كان أيضا يمتلك الدفء كي يبثه في زوايا الإبطين وفي ثنايا الثديين ليعود مجددا إلى القدم التي لم يتركها حتى الصباح... ولع لم أعرفه إلا بعد فترة... لأنها كانت تجعل من أصابع قدمي هواية جديدة كي أهتم بهما رغم أنهما لا يظهران في صقيع لندن.
هواية معقولة...
مغرمة بالمتاحف.. بالصور الجدارية التي تطوق البصر وتجعله "تجربة" فريدة فيحتال على وجوده، او يفكر بأن العالم قائم على متعة "التبصر" برؤية الآخرين.. عاشقة لمتحف "فيكتوريا وألبرت" والتجول في القاعات الفارهة أو أركع أمام تماثيل وضعت كنسخ طبق الأصل لـ"مايكل أنجلو".. وربما أكون متعبة من نوعية النهضة التي لم تستطع جعل قلبي يخفق، بل على العكس كنت أغرق في إحباط يدفعني نحو المجون أحيانا، فأظهر كمجموعة متناقضات أمام نفسي على الأقل.... حذرني البعض قبل المجيء من صدمة الحضارة... وهل تنقصني الحضارة!!! لكن الفتح الذي قمت به لم يكن لبلاد غريبة بل لذاتي التي تكورت على عشق واحد ونمط فريد في الحياة، وربما أعرف أن الليل والنهار هنا يغرقاني بمزيد من الشغف لنبش الدفين، ولجعل مساحة جسدي وعقلي ممدودة على طرقات لندن.. على كاتدرائياتها وربما على الساحات التي تلم الجموع البشرية، فأغرق أكثر في تأمل التفاصيل وفي التوحد مع الحركة التي تجرفني على امتداد الأيام والشهور...
لم أعد اكتفي بليالي السبت فصديقي جعلني الفتاة التي تقتحم كل الحلقات الخاصة.. كان أكثر من خبير في "عشق الأقدام" لأنه مبدع أيضا في تلبية "الرغبات" التي تهطل عليه عندما يبدأ الملل يتسرب إلى حياتي، فهو القادر على إحضار "لندن" إلى حجرتي.. أو وضعي على منصة عالية كي يراني الجميع قادمة من الشرق كي أبحث في "الغرب" عن مساحة لا أعرفها. كانت أهوائي لا تنتهي فأراكم طلباتي فوق الجرح الذي يزداد عمقا داخل جسدي، ففي كل ليلة تظهر وجوه جديدة لفنانين غير معروفين ولممثلين هواة وحتى لمثليين كي أتأملهم يغازلون بعضهم بحركات لم تعد غريبة عني... كدست اللوحات التي رسمها الآخرون فوق بعضها، كان كل واحد يريد تقديم تجربة فريدة في وضعي على القماش، لكنني أصبحت "متجردة" من تكوينات الفن التي طالت وجهي وردفي ونهداي وحتى مساحة بطني، كانت اللوحات تدور من حولي وتطبق بألوانها على كل يوصة، فظهرت ملفحة أو عارية... وتراشقت الألوان لتضع لون عيني وكأنهما قادمتان من الصحراء... صرت الأنثى التي يتسرب إليها الفن أو يتدحرج نحوها لمجرد "الغرابة" في رؤية مهووسة بملامسة "الريش" أو حتى بمداعبة الألوان... فنانون حالمون أو ربما عابثون لا أفرق، وصديقي التائه في رغباتي لم يكن يرضيه في النهاية سوى مضاجعة قدمي...
أخصبتني اللوحات... كنت أراقب تطور وجهي بعد ساعات من الجلوس والتأمل، لاكتشف بعدها أن العشق يتورد أحيانا لكنه يبحث عن أرض ينغرس بها، وربما بدأت القصة عندما قررت ان "أنغرس" في فرشاة كانت تقيس مساحة وجهي، فلم ابتسم بل حاولت أن أجعلها تطوف على خدي، فتجمعت الألوان من حولي وصار لكل بقعت من جسدي اللون الذي جعلني أبدو كقوس قزح في بلد لا ترى نور الشمس، كانت كفان بعشر أصابع غير مألوفة بقدرتها على السباحة نحو الوبر الذي يغطي نهاية البطن، أو الغابات التي تحمي عرش الخصوبة، ولا أدري كيف تغوصان نحو الخاصرة وتجعلان مساماتي بلون البحر، وساقاي بلون جهنم، فأرتعش لمجرد رؤية اكتمال اللوحة أو الطقس المستمر معها... لوحة جنس ترحل بي إلى ليل أفريقي يحمل معه عبق البدايات فتتحرك الأرض على إيقاع "لغة الجسد" التي استبدلها كلما جنت اللحظات وحملتني لأقرر من جديد كسر عود إضافي من الماضي....
استعمل كلمات جديدة من وحي اللون الذي أمامي، فأصبح وحشا يتعاقب عليه الأصفر فالأزرق، ثم أتباهي بوشاح من الفضي الذي ينسكب علي، وتصبح الجدران صدا لجسدي الذي ينطبع عليها، ومع كل انحناءة يتمايل الماضي فوقي فأشعر أن الدموع تخونني، وأن الأصابع الذهبية التي تجتاحني لا تترك أي بصمة إضافية على جلدي لكنها تجعلني أتمايل من ألم أو من نشوة.. لم أعد أعرف كيف يتسرب بأدواته إلى داخلي، فتغتصبني ألوانه، وتجعل مثلث ساقي أشعة تضيء طرف وجهه ولسانه المتدلي أمامه وهو يحاول ابتداع لوحة به، فأنتفض ربما لهذا المشهد، وينقبض بطني أو تكلل نهاية ساقي مروج جديدة ... هل خرجت من شفتي صرخة... هل شعرت المدينة أن هواية جمع اللوحات أصبحت لغة جسد إضافية... أتمدد وأنا أرى هوايتي نوعا من اجتراح الألم الذي يرافقني، لكنها انطبعت علي كعرس يمتد من نهدي إلى أسفل البطن.. فأرتجف من البرد أو النشوة.. أم من العبث الإضافي الذي تمارسه الأصابع الذهبية من جديد وكأنه لم تشبع من جسدي الملطخ بألوان الطيف....
لم تعد ذكرى... كتبتني الغربة على أجساد الغرباء كمجهولة تبحث عن هاوية.. عن لذة لن تجدها رغم غرابة الحياة التي تمارسها... أو ألواح الزجاج التي تتكسر في داخلي فهي الرصيد الذي سيبقى لزمن العودة... لزمن النفور من المتاحف والحانات وحتى هواة رسم الأجساد نصف عارية....


امتحان في منتصف الطريق...
استطيع رؤية الاستغراب الذي يسقط من أطراف الوجه، فهناك من يقدم على مراجعة أعمالي، وتقليب الأوراق التي حضرتها منذ أن بدأت رحلة الاغتراب... إنهم رجال لا ينتمون لعالمي لكنهم على الأقل "مذهولون" ربما من لغة أو فكرة غريبة بقيت أسطرها على الأوراق طوال الأشهر الماضية، ونبشتها من الشاشات التي نقلتني في رحلة الكتب.. إنها حياتي الصباحية.. بحثي الدائم عن القيم التي ميزت مائة عام قبل أن يدخل العالم مرحلة "البرود"... فأكتب وتختلط الأسماء أمامي، فلكل واحد منهم قصته مع الحضارة التي نسجها، أما انا فقصتي مختلفة لأنها نوع من تركيب الجمل فوق مساحة صفراء، فبعد أشهر يصبح الوطن ظلالا أحاول تتبعه، ويصبح العشق فيه وجع في الخاصرة، فأعيد التفكير بالتشرد الذي اختارني أو اخترته، وفي الأضواء التي تفرضها ساحات المدينة أحاول ان أتذكر ملامح الوجه الذي تركته في الوطن فأفشل..
أنثى بلا رسائل... هذه خلاصة الأشهر الماضية.. أنثى كانت تحاول اكتشاف التجارب الأولى، دون أن يدخل إليها دفء الحياة التي استقالت منها، فحتى "الأهل" كان يكتفون بكلمات قليلة من أي هاتف عمومي، فكلما جاءت أصواتهم من خلف الأسلاك الباردة قطرتني المحبة نحو السماء، أو طاردتني في الشوارع التي حفظتها أو حفظتني، فلا أدري هل أنتقم منها أم تثأر مني لأنني لا أعرف كيف أجعلها تغتصبني حتى الأعماق.
أمامي صفحتين من الكلمات المرصوصة، ووجوه تعيد القراءة وطرح الأسئلة، ولكن الزمن لن يتوقف عندهم، فعندما أخرج ستبدأ الأسئلة الحقيقية لأنني على ما يبدو غارقة في "التوتر" من إشارات الاستفهام، فكلما حاولت أن أراكم خبرة معرفية زاد جوعي وربما شبقي... فأستعد لاقتحام "الجهل" الذي أحاطني منذ الولادة، ولفني بنمطية الخيارات ما بين الزوج والحبيب، أو الأم أو حتى الأنثى العانس.... ففي كل تعبير هناك ألف رواية تكتب لكنها لن تجد طريقها نحو قلوب الآخرين طالما انها تدور في مساحة تقليدية يعرفها الجميع، أما لحظات الجنون وكسر غرابة الأشياء فإنها لا تنتظم برواية أو قصيدة شعر لأنها ملحمة تكشف الصراع الذي نخوضه مع عقلنا أو أجسادنا حتى نثبت أننا أحياء، أو أننا جنس لم يكن له سوى خيار التجربة... كانت معرفتي مسار لخلق التجربة، ففي الشرق لا توجد "التجارب" لأننا مدمنو "تكرار" ممل، وأحاديثنا ارتجال لخيال سرعان ما يهوى في نمطية يعرفها الجميع، كنت استغرب لماذا لا استطيع متابعة "دراما" تلفزيونية.. لا أفهم لماذا تستفزني الروايات من اللحظة الأولى فأرميها، لكننا ربما اهتديت لـ"طريقة الإثراء"، حيث مساحات الكلمات تتجاوز حروف الأبجدية وتخلق عوالمها بعيدا عن المسارات المألوف، لأنها تدخل في قلب "الجسد" الذي ينبض رغبة في الحياة.
مرة أخرى أفقد الجميع.. لم يعد بابي يطرق في كل لحظة ليدخل "عاشق القدمين"، أو الموهبة التي تملك أصابع من ذهب... لم يعد هناك سوى الليالي الطويلة التي تجبرني على معرفة "القحط" الذي بدأ يطرق أبوابي، فكنت أؤكد لنفسي على الأقل ان هناك خصب مازال في داخلي... أجمع الصور وأحاول رصد إثارتي، أتجول في بعض "الحانات" أو "المراقص" واستكشف قدراتي في تتبع روائح الذكور أو إثارتهم بابتسامة واحدة... لم تكن الأيام عادية لأن القسوة اتخذت منحى لم يكن مألوفا لدي، وربما بدأت برقصة، وبتجاذب او تناسق في لغة الجسد التي تعرفها المراقص، ولم أكن أعرف أن من يراقصني محترف في إثارة العضلات وجعلها تنبض أو تشق طريقها خارج الثياب... هو مثل كل الآخرين قادر على اقتناص علاقة عابرة، ولكن في مجتمع "عابر" يصبح التحدي مع الألوان المختلفة التي تقف امامه ثم تراقصه وتختفي مثل السحر.. ما قمت به هو مجرد حركة سريع وربما بدون تمايل، لكنني اكتشفت أن نظراته بدأت تسبح بحثا عني.. غريبة قدمت إليه وارتحلت، وما حدث كان شكلا من التحدي داخل هدير من العلاقات التي تأتي وتذهب دون أن تترك أثرا....
بقيت أنفاسه عالقة في تجاويف أذني، وعرفت أنه قادر على تعليمي فنا لم أتقنه يوما.. فن جعل الجسد جزء من الإيقاع العالمي.. ما أردته هو أن تقفز معرفتي بعيدا عن الكتب التي تستهلكني صباحا، وربما أعاود البحث عنه لكنه على ما يبدو "ارتحل" أيضا وتركني أزور نفس المكان لأسابيع حتى عاد بالصدفة ربما... وهنا أصبح الأمر تحديا لي.. اقتناصا لفرصة لن تتكرر، فعدت وراقصته رغم أنف صديقته التي بدت أنها "ثملة" أيضا او مشبعة بذكورته.. راقصته بشهوانية حلقت بي فوق لندن واختناق مناخها، مارست فجور النظرات وربما التعابير.. استخدمت نزق صدري عندما يقفز من داخل القميص مثل غزال يريد اللعب تحت ضوء الشمس، ولم أكن أدري هل أغوية أو أحاول تقطيع المساحات بيني وبينه، لكنني نزفت من انفجار الطاقة التي أشعلتني لأول مرة منذ أن أصبحت غريبة هنا....
أيام قليلة كانت كفيلة بإدخالي إلى الوجه الآخر للمدينة، قادني الرجل الجديد إلى الأحياء التي يضاجعها البؤس أو الرذيلة الوقحة... منازل متراصة ينحشر فيها الناس وتطلق من نوافذها رائحة غريبة هي خليط من القهر والجنس.. كل شي ممكن في هذه البيوت الرمادية، حيث تصبح الدعارة فعلا يوميا على عكس المألوف لأنه مجرد ممارسة لمبادلة المتعة!!! فعلى الفراش يتمترس أكثر من جسد، ويصبح الجنس رائحة نتنة لا يمكن الاعتياد عليها، فتغيب لغة الجسد التي أردتها يوم دخلت التحدي، لكن الجسد نفسه يريد تطويقي فأحاول الالتفات باتجاه آخر فيصادفني وجه جديد يحاول ان يقتنص متعته ولكن على طريقته الخاصة.. كانت هناك شفاه كثيرة تمارس التقبيل وكان الفراش يتسع لمجموعة من القبائل النهمة التي تلتهم فرائس متعددة، وربما لم اكن معتادة على "الطقس" الذي يصبح "فحشا" منظما، أو على جعل الخصوصية مرمية على مساحة متر مربع واحد، فالتجربة لم تكن مغرية لكنها أسرع مما توقعت، لأن اللحظات كانت تلهث وعيني ترقب التلوي الذي يظهر على انوثة اخرى مستلقية على بعد ذراعي، فأصطدم بها أو تتعمد ملاحقتي، وتصبح لغة الجسد نوع من الاحتراف في المقارنة بين متعتي ومتعتها، لكنني لن ادخل المنافسة.. أو ربما دخلتها دون أدري، بينما كانت الفحولة تتوارى خلف التفاصيل اللزجة لغرفة لا تملك أي ملامح....
تمردت على اللحظات.. جعلت إنارة الغرفة تفضح تفاصيل العرس الجماعي، لكنني ربما فشلت في إيقاف هدير الجسد المتهالك علي، فلم أشعر بحنان مساماته، بل بقدرته على الدخول إلى جوفي ليجعلني أصرخ أو أغرز أظافري في ظهره... كان جسدا لا يملك نفس اللينة التي يمارسها في الرقصات لأن "الحفل الاستعراضي" هو في النهاية على مستوى الفحولة الموجودة داخل الغرفة، وكان ظهري يحتك بـ"فحولة أخرى" بلون الليل تتداخل مع ملمس أبيض فتصبح العملية لوحة تجمع المتناقضات...
شعرت ان الخصوصية انتهت مع نظرة جارحة من عين يميزها بياض خاص، وتساءلت رغم صعوبة اللحظات عن السر الذي يجعل الأفارقة يمتازون بهذه النظرة.. هو لم ينته بعد من صديقته لكنه كان مصرا على التعامل معي ولو من وراء "حجب" حتى لا يصبح الأمر اغتصابا... لم أدرك أن "الجنس" يصبح اختناقا مع لحظاته الأخيرة، لكنني تعرفت على نوع آخر من "القيثارات" التي تتخذ شكل العصر الحجري بالتصاقها او طريقة اقتحامها لطفولة الخصب بين ساقي، وربما أدركت أنني مازلت طفلة وأن تجاربي هي هواء، بينما ينسحب حلم "الرقص" ويصبح جسدي إيقاعا أفريقيا يهتز، وينتابني الخدر فأشعر ان نهدي تضخما وأن مساحة من الجحيم اشتعلت من بين شفتين غليظتين لكنهما تملكان وقعهما على وجنتي وفمي وتحت إبطي...
مكسرة وسط فوضى خانقة من "فحولة" أعادت تاريخ البشرية على جسدي، وجعلتني أقف على أربع لأن الغابات لا تعرف سوى شكل واحد للمضاجعة.. لم يكن جنسا.. لم يكن حلما.. كان تهشيما لكن القناعات التي رافقتني عن المدن الأنيقة... أو العلم الأنيق الذي يظهر في المتحف والجامعات فالأحياء المجهولة هي مدارس من نوع خاص... مدارس ندرك فيها أن النبض البدائي موجود أينما ذهبنا.
تبدلات متوحشة...
"جسد" المدينة... هكذا أصبحت الطرق التي تؤدي لمبان ربما تعود أكثر من قرن مضى، فالريح الأفريقية لم تبدأ قبل أسابيع أو أيام بل هي وهج يسير في الشوارع وربما يكتب على جدرانها كل الرغبات النزقة.. ربما لم أنتبه بأن "التكوين" الإفريقي يتسلل كل لحظة في حياة تلك المدن، فيزرعها بألوان فاجرة.. فاقعة.. ملتصقة على البرود الذي يميز ضباب لندن أو اضمحلال تفاصيل وجوه الجزر البريطانية... إنها مجرد حالة سريعة كان علي ملاحظتها منذ أن أصبح "الراقص" ظلا لي، أراه من حولي وفي جغرافية أماكن الدراسة، وربما اكتشف أنني لم أكن يوما سوى خيالا يشتهيه فأصبح إيقاع رقصه يقارب النار الإفريقية... ما الذي حصل بعد أن أدخل أزقة الفقر إليّ، أو جعلها جزء من خارطة وجهي؟
هي حكاية لا تنتهي لأنها بدأت مع تصور المدينة كجسد يتهالك فينعشه الذكور كل لحظة. وهي أيضا لوحة قديمة تعلمتها بشكل سريع لأنها نقلتني عبر كل مساحاتها لاكتشف نكهة المدن عندما ينتابها الفجور، فتخلع زينتها في حفل تعر وفي الصباح تبدأ مشوارها الأنيق أو المزيف أو الغارق بأحلام الليل، فالعلم الذي تهدره المدينة على الناس لم يكن كافيا حتى يقتنعوا بأنها "أنثى".. أنثى في الأحياء التي قدمت صورة للماضي.. أنثى في "السوهو" وأنثى في "كوفنت غاردن".. وأنثى في "كينزغنتون".. وأخيرا أنثى في صخب الليل الذي يقتنص الجميع ويتركهم لمواجهة "العبثية" التي تركض على مساحة الحياة. لكن الحكاية بدأت معي وأنا أشاهد الأضواء التي لم تستطع إبهاري، فأحاول أن أغرق أكثر كي استطيع الوصول إلى قاع جديد ولكن دون جدوى، فكل الوجوه التي أتت رحلت... غابت وراء التفاصيل الدقيقة لحياة عابر وعلاقات تمر أسرع من الضوء على الجسد، ففي جسد المدينة هناك الكثير من الزواريب أو المتاهات، ويصعب التعرف على كل التفاصيل إذا بقينا ندور حول شارع واحد أو حي واحد أو حتى "صحيفة" واحدة نقرؤها كل صباح.
والحكاية أن "وحل" التجارب يخصب الذاكرة، ويجعل من جلد الأملس ساحة معارك تنمو عليها أمجاد لكثيرين مروا كعابري سبيل، لكنهم تركوا لمساتهم على الخاصرة أحيانا وعلى الوجه أحيانا أخرى، وفي النهاية تظهر لحظة افتراق أغادر فيها المدينة أو تغادرني ولو لحين.. فالنصائح التي انهارت علي هي في توسيع دائرة النظر حتى أشاهد الريف البريطاني، أو أقضي إجازة على ساحل مجهول لا يشبه الساحل الذي عشقته... بحر أسود ورياح باردة وربما القليل من "الوهج الإفريقي"... صوت الحروف هنا أدق... الروايات سرعان وا تنتقل بين الأحياء... لكنها مجرد جولة سريعة بحثت فيها عن وجه جديد لكنني لم أجده. الأجساد مكررة والجنس مكرر.. في مساحة عام كامل لم يكن هناك من جنون إلى في كسر الصورة المنغرسة داخل العين، فالميزة الأولى هي في الدفء الذي يلف "صورتي"، وبه كان على اقتحام الأماكن المحظورة لأن الخطوط الحمر ليست سمة العالم الثالث، وهي مبعثرة على خارطة العالم.
لم يكن أحد يفكر بأن براءة العنين تملك أكثر من حياة... لم يخطر على بال الأكاديميين الذين يتجولون في أروقة الجامعة أن الحياة في الليل هي مساحة أخرى تكللني.. وربما لن يقتنعوا بأن الغرابة هي طريدة كان علي ملاحقتها طالما انني غريبة وفي مساحة رمادية من الحياة، وفي "الريف" يبدو من الصعب أن أبحث عن تلك الغرابة أو عن مرافق يحمل لي الكون ليضعه في كفي برقصة تكسر الأرض، أو حتى بريشة تلطخ جسدي وهي تنبش القماش على شاكلة عيني وشفتاي وحلمتي اللتين تحرقان اللوحة... ربما قررت في هدوء الريف رسم لوحتي، فتشبثت بالذكورة التي تريد دائما أن تقتنص اللحظة الأولى، ولأن المكان هو أكثر من بارد فإن إشعال النار أصبح هواية لأسبوع كامل.
في الريف لم تعد "القيثارة" تحمل أي لحن خاص... كان الجنون يقودني نحو العزف على أوتار أخرى.. نحو إيقاظ الحياة وسط السكون الذي يغلف المدينة التي تعيش على إيقاع محطات القطار وما تحمله من قادمين أو ذاهبين، أو حتى عمال يتراكضون باتجاه الساعة التي يحملونها معهم كإثبات على ان الزمن يسير، أما أنا فزمني على وجهي، ومزروع في حركتي على الأرض لإيقاظ الجنية النائمة في ما أريده من "ضحية" هبطت فجأة... حانات المدن الصغيرة تحفظ سكانها، ولحظة يرون وجهي يرصدون الحركات التي تتجه نحوهم... زرعت ابتسامتي في كل زاوية دون جدوى... تركتها مع الكأس الذي لم أكمله يوما، وفي النقود التي بقيت مرمية على الطاولة، كان الليل يستهلك الدقائق موحيا بأنني أكبر فاشلة في التنفيس عن حقدي، فالحزن يرسم ابتسامتي والغضب ينقلب نوعا من الضحكات العالية، وفي النهاية ألملم أشلاء جسدي وأرحل كما فيتبعني الجميع بوجههم، لكنني أتمدد على أول كرسي في الشارع المهجور، وأرقب الدهشة التي ترتسم على أي مار رماه حظه العاثر في دربي، وربما اكتشف ان الجميع يريد كسر "الغرابة" التي أودعتها داخل هذا الحي الذي لا يحلم بأي قادم من وحل الشتاء، وينتظر الصيف كي يلفحه بالنساء والرجال من القارات الخمس.
رجل واحد "تفرس" بي، وربما ارتسم وجهه منذ اللحظة الأولى لدخولي تلك الحانة المنسية، لم أتأمله لأنني تركت عزيمتي بعيدا ويقبت أسمع كلماته السريعة وهو نصف ثمل، لكنني عندما انتصبت أدركت أنني أمام كهل يتجه بسرعة نحو الشيخوخة، والكحول يرفعه أو ربما ينسيه وطأة السنين الثقيلة، لم أتردد لأنه يلخص كل مساحة الريف التي يتحدثون عنها بفكيه العريضين أو "كرشه" الذي يهتز موحيا بأن "الإفطار الإنكليزي فعل فعلته منذ زمن، وفي المقابل كانت "سماحة" نظرته مغرية لذلك لم أتردد في السير إلى جانبه كي يقودني لحانة أخرى.. لحانتين فهو يبحث عن الثمالة، وأنا أبحث في تلك المدينة عن "الحلوى" التي تاهت عني منذ زمن بعيد.. منذ ان أصبح العشق نوعا من الوجبات السريع فلا يحتمل سهر الليالي أو الأحاديث الطويلة، أو حتى احتساء الكأس على امتداد ساعات.
أصبحت "دليله" في المدينة.. لم يعد يدرك أن الزمن اغتاله فأضاع أكثر من منزله.. أضاع نظرته "السمحة" التي جعلتني التصق به في مشوار الليل حتى إشراق الصبح، فكان مثل الأدوات القديمة بأن أحيانا لكنه يعمل ويرمي الكلمات بسرعة فلا أفهمها، وفي اللحظات الأخيرة دخل "منزله" وارتحلت إلى فندقي... ارتحلت من مساحته التي لخصت لي تاريخ البلدة وبطولاته النسائية دن أن يتجرأ على ملامستي، ربما لأنني بعمر حفيدته أو ابنته...
الحانة باقية والكهل باق، ووجهي يستكشف من جديد صوره التي رسمها على طول الليل في أذني، وربما أدركت أنه "الضحية"، أو أنني "لوليتا" التي تريد كسر "الخط الأحمر"، كانت الساعات متشابهة لكن التفاصيل تغيرت لأن يدي حاول تحريض مساحته الفارغة، وأنا جاهلة لما يمكن أن يقدمه بعد أن كسرته السنين... هل قلت إنني أكره المنازل في تلك المدن وفي ريفها!! هل قلت إن الذوق الذي يغلفها يدفعني للانتقام أو الصراخ من طريقة تركيبها!! لم يختلف منزله في شيء، فهو مثل كل المنازل يميل إلى "تجميع" ضحالة خاصة، وربما تركت وطأة السنين بصمتها على الجدران وعلى جسد صاحبه الجبان رغم أن "الجني" في داخلي تصاعد فأنا ألبس دور "الذكر".. دور الهائج الذي يرغب في اقتناص كل من حوله، فأنحت صورته من جديد.. أنحت الشيب على صدره بحلمتي، وأكون التجاعيد على وجهه بنعومة ساقي.. تركت تفاصيل جسدي تكونه بعد أن عبر الزمن عليه، فكانت يدي تتسلق قدمه بشكل بطيء وتحاول معاينة ابيضاض البشرة التي بدت أكثر سبابا مما توقعت.
أسرح بشفتي في المروج فتنبت من جديد، ويتصاعد الخصب من كل اتجاه، فتغتالني زرقة العين التي لم ألاحظها من قبل، ففي خبرة الأيام يبدو "الاقتناص" فاشل لأنني أتحول لطريدة من جديد، ولحالة ربما تريد ممارسة كل التجارب بلحظة، فلا معقولية ما يحدث ربما جعلت عملية النحت نوعا من المعجزة التي أوقدت نارا لن تنطفئ بسهولة، فانتعش الربيع بين ساقيه لكن لم يقبل بل جعل يده المتعبة تتابع تضاريس نسيها منذ زمن، فغرست أعلاما على الزوايا وفي منحدرات النهد الأول كانت له "ملحمة" ذكرتني بأيام العشق الأولى، وربما استطاع استرجاع تاريخه على فخذي، فاستعار دور النحات مني وصقلهما من جديد.
استفيق على صورته.. اكتشف أنه رغم الزمن أنعش حرية ظهري الذي تشبّع بيديه، فأستدير كي أطير بوجهه وأتعلق به كي يغرق بي من جديد، ويبدو أنه استفاق على "أحراشي" تطبق على أنفه فأصبح "اغتراف" المتعة هواية له ستستمر لساعات وربما لأيام، فينسكب على من جديد وتنفرج ساقي بشكل يعيدني للحظات البدء لكنني لا أستقبله بل أخطفه دون أن أدري كيف اغتالتني اللحظات معه من عابر سبيل إلى نور يلعب على جسده الذي أصبح لينا يتسرب إلى من كل الاتجاهات، ويحاول ممارسة عهر أو "محرم" فيخترق فمي وترتجف ساقاه، وأشعر بنبض يهز خاصرته أو "كرشه" الذي بدا وكأنه ظل لرأسي، فأرتجف أنا أيضا قبل أن أشعر برشقة دافئة تكلل مساحة وجهي وتنزف ببطء على وجنتي باتجاه المساحات العارية، ثم يهبط السكون... لكنني أدرك أنني سأشتعل بعد لحظات لأنني مازلت أبحث عن "نظرته" السمحة.
ليس عشقا...
هو الكهل او المارد.. لا أدري لكنه كان قادرا على تركيب الحياة من جديد، فيتمسك بي وكأنني الكنز الذي انتشله من الفراغ، وأعربش على صدره لأنه قادر على إطفاء الفورة التي تنتابني فجأة، وهو أيضا الخبرة التي لا أعرفها وربما لن تزيدني معرفة لكنها قادرة على إدخالي في مساحة من الحياة غير متوقعة.. هو مظهر مدهش لكل من يريد أن يرسم الاستغراب على وجهه من فارقة العمر أو "الضجيج" المرسوم بين وجهينا... كهل يقرر الهجرة إلي، أو حتى اقتناص فرصة العشق أو الجنس أو حتى هدر الوقت المتبقي لدي على الأرض الغريبة، وربما سينهي الزمن الذي بقيت أبدده في شوارع المدينة وأنا أبحث عن غرائبية الأحداث، فهنا بدأت رحلة الكآبة، والخيارات المستحيلة، وهنا ربما سددت الضرائب عن ألوان الحياة التي أردت أن أعيشها، وفي ظلال الماضي تغرق الأحلام ومعها "الفقر" الذي بقي مكتوبا في تنوع الحياة على أرضي... ربما كسرت "الحرمان" الذي بقي معششا في ذهني طوال عقدين.. حرمان من شكل آخر يتداخل فيه المرئي بالمسموع بالهواجس التي أصبحت ككرة تطاير فوقي أينما ذهب، لكن اللحظة التي قررت فيها تمزيق هذا الغشاء الغريب غادرتني "الحياة القديمة" بعشقها الجنوني وبلحظات دفئها أو ببرود الساعات التي تخللت كل النسمات اللطيفة التي رافقت مساحاتي.
هي تناقضات يختصرها تشبثي بمرفق "الكهل" الذي يبدو أبا أو عشيقا لا أدري، فهو يدخل دائرة المستحيل من خلال مساماتي، وأنا أتسرب من جديد إلى صفحة الحياة من ملامح التعب على وجهه، ولم أعد أطلب المزيد.. هل انتهت طاقة العربدة التي قررت ركوبها منذ قررت الحياة على شاكلة البريق؟ أتأمل التراث الذي تركته بلوحات متناثرة داخل الغرفة، أو حتى بالصور الكبيرة التي ملأت الجدران وأنا ملتصقة براقصين من فرق مختلفة.. "تراث" سأضيفه لأوراق بقيت أكتبها داخل المكتبة العامة أو في حلقات النقاش، لكنها لا ترسم صورة أنثى.. لآ تضع أمام الوجه سوى عينين شبقتين وجسد يريد أن يتمدد قليلا ليلفحه الهواء من كل جانب.. حتى "الكهولة" لم تستطع ان تحقق هذا الحلم الغريب، لكنني بحثت بالفعل عن "شاطئ" العراة فلم أجده... وعرفت أن مثل هذه الأمنية ربما تخض حوريات من عالم آخر.. على الأقل كان بمقدوري التفكير.. نبش الأرض التي وقفت عليها، واجتراح عشق غريب مع ألوان الطيف التي تسقط تجاعيد الزمن في وجهه.. في قدرته على التحول إلى فرس عندما يراني، أو لحظة يقرر أن يلفني بذراعه فأشتق رائحة التبغ المعتق المغروس تحت أصابعه.
هي ليست تجربة بل ربما نهاية المطاف داخل قسوة المناخ الذي يلفني فأعرف أنه الوحيد الذي سيراني بشكل مختلف، أو أجعل من قدرتي على التشبث بزراعه مادة لكل الوجه التي ترانا، لكن من لا يعرف التفاصيل فسيدخل في متاهة، لأن "الوجه المتعب" يعيش في لندن لأول مرة، ويغرف منها كما أغرف، هو متأخر عشرين عاما أو أكثر عني، لكنني على الأقل وجدته.. وأعرف كيف أسبر الدنيا من خلاله، فعندما يطوف وجهه من حولي تلتهب جوارحي ويبدأ قلبي بعزف نشيده الخاص.. أنشودة عرس استعيد فيها عذريتي من جديد، فأحسب نفسي أمام زخم من المجهول أو أن قبيلة تريد اقتحامي، فأستعد لطقس حقيقي.. طقس الجنس أو عرس الجسد لم أعرفه إلا من خلاله، ربما يحتاج له كي يجعل جسده ينتفض على العمر، أو أنني أريده لأن الحياة تولد من بين فخذي، فيعيد قصة الخليقة وهو يتأمل كل الزوايا في جسدي، فأحترق أو أبرق كي تنقل بالدنيا فوق مساحتي، ولا أعرف من أين يمكن أن ينطلق هديره الذي يمسحني من أخمص قدمي وصولا إلى شفتي... هي ليست قبلا بل إعصار سريع يجعل ارتجاف الجسد يتكامل مع مساحة الجنس التي تغطي الغرفة وتجعل جدرانها انعكاسا لتلاصق لم تشهده من قبل....
يعصف بي... وتصبح أصابعه امتدادا لنهدي، أو تلتصق على مؤخرتي فتنتهي المسافة بين ساقينا أو يصبح داخل دوامة تسحبه بشكل سريع، فلا أميز ارتعاشي عن دفقه، أو حتى فخذي عن ساقيه، لكن القرار النهائي هو للحظات القادمة ولتسارع أنفاسه التي تضرب أذني فأصبح بتموجي السريع وكأنني وتر في غيتار اسباني، واكتشف أن الكلام يرتجف مع النشوة، وأن الضوء يصبح على شكل دائرة تتدحرج باتجاه "الصرة".. باتجاه المساحات المحرمة التي أصبحت مسرحا لأصابع يديه، وربما ارتجف من اللمسات التي تحاول إحاطة هذه المساحات بوردة توليب رائعة... فأحنو على وجهه ثم أغمر وجهي بحضنه العاري وأنام دون أن يلسعني البرد الذي يلف المدينة...
وقار.. سأعتاد عليه
سأعيد وصفة لأنه رؤية.. حتى ولو بدا وكأنه رجل ثمل يخرج من حانة في الريف ويحدث وجهي، لكنني أعدت اكتشافه، وتعرف على العقود الخمسة التي رافقت مساحة وجهه، وربما أحزانه ولحظات فرحه الأولى، لم أتوقع أن يصبح زمني متداخل مع عقوده الخمس، ومع ذكرياته التي سحبتها بجهد من بين شفتيه، فمن ينفصل ماضية ربما يدرك أن المستقبل مصيره الأبدي مهما كان قاسيا.. لم أعشقه.. لم أتردد في الالتصاق به.. لم أكن أعرف لماذا هو من يبدد جنوني، ويرافقني متناسيا أن الريف الذي تركه سيعود إليه عندما أقرر الرحيل، لكنه كان منغرسا في مساحة عيني، فعرفت أن الوجوه هوية نتلمسها أو تدفق إلى داخلنا، فهو المسكون بي، والمستمتع بقدرتي على خلق المفاجآت فيمد ابتسامته ويتركني استمتع بما لدي من طاقة على إثارة الآخرين، لكن "الوقار" يتربع فوق رأسي فأتجاوز السنوات وأتعلق بالعقد الخامس بما يوحي من أمان يجعلني أغفو في أي لحظة أتكئ فيها على ذراعه...
تلفني الدنيا مع سرعة الأيام التي تطرق ذاكرتي.. فمتى سأودع الحرية.. ألوح للوقار الذي يرافقني منذ أشهر... هل ستصبح سماء قاتمة على نفس شاكلة ما تركته في مدينتي، لكنني مسلحة بكلمات كثيرة، وربما بصور سأحملها معي لأنني سأعود.. لم يفرحني التقدير الذي قدمته الجامعة، فهو مجرد أوراق تشهد لي بانني قرأت وحللت واستنتجت، وهي لا تذر مساحة التجربة التي غصت فيها حتى كادت أن تغرقني، والتقدير لا يذكر العقود الخمس التي بقيت معي لأشهر تمنحني الحياة لأكتب، ولأرى بعين ظهرت فجأة وربما كشفت المستور.. كشفت اللون المفقود والفردوس الذي لم نصل إليه، والجنس الذي يكتسي مساحة اللامعقول فيجعل الأجسام ومضات تداخل.
يجول بي في المدن التي لم أزرها... كيف أعشق اللون الرمادي الذي كان كابوسا يلاحقني في الجزر البريطانية! وكيف تصل المسافات بي إلى القلاع التي تبعث على الكآبة فاتمني أن تبتلعني حتى يتوقف الزمن، هي مجرد حجارة سالت عليها "دماء نبيلة" ثم غطتها كثافة من اللون الأخضر ومن الأسرار التي أصبحت روايات عن الساحرات، فأتذكر ملامح لأنثى فرنسية ربما لحجم التناقض بين اللون القاتم وقناعاتي أو حبي لأشعة الشمس، فالخيال الذي يسبح بي ربما يصل إلى نهاية المسافات حيث ينعدم الأفق فلا أرى سوى وجه العقد الخامس أمامي بدهشته الدائمة من ردود فعلي، فأغرقه بقبل تنسيه برد الشمال الإنكليزي أو توقظه من كؤوس الويسكي التي تغرقه مساء بنشوة مختلفة، فيصبح وجهه عاجي الملامح، وأعرف أن البرود الذي بدأ يجول حولنا بحاجة ربما لنهد يجرح اللحظات فيتقد جبينه أو يشتعل قلبه، ونعيد طقس الحب من جديد، فأرى تراقص النار يرتسم على "مساحة المرمر" في خاصرتي... هو غزل بنفسي أنقله كما وقع على أذني قبل سنوات، وربما نبهني لرغبة الذكور في تلمس الخاصرة، أو الاستبداد بها، فيمتطون الخيل بشكل جديد، وتصبح "الفروسية" بطولات على "الخصر" الذي ينزلق سريعا من بين الكفين.. مساحة المرمر هي السر الذي يغلف الأنثى فيتشتت الذكور أمامها، وعندما تلامس الكف انحناءة الخصر يبدأ طقس آخر من العشق المزخرف أو التائه في جغرافية الجسد الملتهب...
ربما أشق الزمن باهتزاز سريع يعيد تشكيلنا، فيبدأ الفضاء الاسكتلندي باسترجاع أمجاده، ويتوقف الشعراء أمام اللحظة الجديدة.. هل كان "إليوت" أو "شيلي" أو "تشيلر" يحلمون بان تُكتب قصيدة بلحن مختلف أو مختلط ما بين الغموض الإنكليزي وعبثية الشرق الجديد.... اكتبها بتمايل الجسد وبحمى الرغبة في حفر الحياة أو كسر الزمن الضيق، وينتشي المقعد الذي استقبل جسدي، أو ترقص السجادة الهرمة التي أرخيت قدماي عليها، وأسمع صرير الفراش الذي يستقبلنا مجددا، وكأنه يتأوه من اللحظات التي يشهدها، ثم أستفيق على "وجهه" الذي أصبح شمسا تحرق وجنتي، وتتمدد على شفتاي التين أطبقتا بسرعة على ملمس النار القادم، فما يحدث أكثر من لحظات تتسابق للوصول إلى الذروة، هي مشهد أيضا وتعبير أنيق لرقصة "المرمر" فوق نار تلهب العروق، وتجعل العطش مطلقا لا يمكن أن تطفئه حركات المضاجعة السريعة بل فصل جنسي طويل نشرب فيه انخابا بلا كؤوس ونسلط نار "التراكب" على الزمن القادم، فأمتطيه أو يمتطيني.. أسحبه بتجاه خصبي أو يعلق على جبيني عنوان لرجولته، ثم أدعك مساحاته بكفي كي أتشرب عبق "الجسد" في عقده الخامس، وألامس ذروة السماء وأنا في وضع غريب.. شكل من التداخل لم أكن أتوقعه... فأضمه أو اعتصر صدره حتى أشعر أنه أغلق على نفسه داخل حجرة الخصب التي تؤرقه أو ربما تؤرقني.
بدايات مذهلة... حرية في الأفق
كانت حرية تشرق رغم الإرهاق، لوحة من زوايا متناثرة تلملم نفسها لحظة الوداع، فألملم الدموع من على "العقد الخامس" ثم أعلق الحروف على وجنيه وأصرخ في ساحة "ترافلغر سكوير"، يلتم جمهور غريب مع بدء حفلة رقص مجاني.. أدبك.. أوقظ في عتمة الليل جنية الأرض.. الجرية النائمة في أعماق الكوكب الأزرق.. أو ربما في أعماقي.. يكبر الحضور وأشد على أيد غريبة ثم تظهر ابتسامتي بوجه العقد الخامس... هي رقصة الزمن المتلاشي لكنها "لوحتي" أيضا، أعيد رسمها بقدمي وتمايل جسدي فأسمع جمهورا يصفق ويصرخ ويتجمع ويرقص، فتقترب السماء لتطبع قبلة على شفتي، وأعرف أننا سأسكن هذه الأرض رغم أنني سأغادر إلى بلدي، وستكون مثل باقة من الزهور في جلسة كآبة، فتنتشر ألوانها على مساحة الحواجب المقطبة، أو العيون الناعسة فتستيقظ النسمات أيضا لتلفح أجساد الذكور بنار من الشهوة، وتجعل الإناث مساحة خصب تنجب يوما جديدا، وألوانا لم يتخيلها أحد...
كان نزار قباني يحلم بأبجدية جديدة عندما تضيق الدنيا بمساحة عشقه، وأنا ربما أحلم بطيف ضوئي جديد كي نعيش داخله.. طيف ينهي اللحظات الزجاجية والفرح المعلب وحتى الكلمات التي ورثناها من زمن امرؤ القيس، فأنا حفيدة طه حسين وعبد الرحمن الشهبندر وخليل سعاده وجبران خليل جبران.. أنثى أنجبها نزار قباني لكنها لم تتعرف عليه إلا بعد رحيله، وأنثى من زمن سيمون دوبوفوار رغم أنها ولدت بعد عقود من العشق الذي رسم جان بول سارتر بـ"سيمون"...
أحلم بضرب الأرض ومضاجعتها، وبتقبيل الوجوه الباسمة حولي، وحتى بمعانقة رجل الأمن الذي تقدم مني طالبا التوقف.. ابتسم بعنفوان من يريد أن يقدم نفسه هدية للبشرية، وربما بمسيح لم يكن يتخيل أحد أن يرتسم بوجه أنثى، فيتبعني الجميع لنطوف في ساحات العشق الفاجر أو لحرية التي تزين عيون النساء في شبقهن للحياة، فأتعلق بعقدي "الخامس" وأرى في الشيب الهابط على لحيته زمنا آخر... زمن لا أعرف كيف سأخلقه لكنني على الأقل استطعت اقتناص عبقه رغم أنف الجميع.. هل كان قرارا صائبا رحيلي أو عودتي... لا أبحث عن أجوبه لأني "الهيام" الذي يعتريني سيقودني حتما إلى "الطيف الجديد"، وربما إلى لغة يتكسر من على أطرفها "قصدير" الماضي، فتنتعش أو تصبح راقصة وهي تخرج من أفواه عاشقة أو مبدعة أو ملهمة للأخرين كي ينتظروا الغد....
قبل لحظات المطار أهرب من الوداع يجنون الدقائق التي تضرب وجهي، فلا أرتوي من القبل التي زرعتني زنبقة بلون أثيري، أو جعلت جسدي فضاء لنزوات مختلفة فألتصق أو ابتعد.. أخصب نفسي أو يخصبني... أتذر تفاصيل جسده بشكل سريع كمن سيدخل لامتحان في الجنس الوقور، أو النشوة المختمرة، وهل أستطيع ترك يده.. لكنني أغفو مجددا واكتشف أن يقظتي كان أيضا نشوة أخرى وأنا استنشق أو ابتلع رجولته، وألفها بين أصابعي علني أبقيها مرسومة على كفي، لكن الزمن لن يرحمني فعلى بعد ساعات تقف مدينتي وأنا ألتصق أكثر بخصبه أو بملامح يده التي تمسح وجهي أو ترفع خصل شعري كي يراني وأنا أقلب الرجولة التي ارتوي منها... ربما يبكي.. ينتحب أو ينتشي.. لا أدري تماما ما الذي يحدث... لأنها لم يعد يخترقني بل استقر في داخلي، فأبحث عن يديه التين اخترقتاني من الخلف والأمام وعن فمه الضائع بين نهدي أو عن خصوبته التي أرفض ان أتركها.. لكنني لا أسمع سوى تصاعد أنفاسه... فأرتمي من الجهد أو الحزن وأعرف أن الحياة مازالت تنتظرني رغم أن أترك فيضا منها داخل "الجزر البريطانية...
كيف سأجدك من جديد...
عتمة تغلف التعب... تترك المسافات القديمة وراء البرد الذي ستمر عامين، فلا أضواء سوى الترقب، أو البحث عن جرح نازف لا ينقصه سوى لمحة سريعة عن "القحط" الذي أترقبه.. القحط الذي لم يكن يوما سوى تلوينات من الخصب الذي كنت أنقله معي فتحاصرني المسافات وتجعلني أتهاوى، ويبقى الوجه القديم مساحة خضراء تحملني أو تحملته، ودعنني بطقس يقارب الفردوس الذي ضيعناه، ثم توارى وكأنه من الخيال... كنت أترقب البريد.. أحاول أن أفتش في الحاسب عن الابتسامة التي غرسها على وجهي، وانطباع شفتيه على زوايا رقبتي.. كنت أرى صورته لكنه يتوارى دون حروف قادرة على إعادة تفاصيله إلى حياتي، ولم أنتظر لأنني أعرف أن زمن "مكسر" يغير من الملامح في لحظة التباعد.. لحظة نقرر فرض المواقف دون أن نعرف أن الحياة أقصر من تبديدها بسوط "المواقف"..
من سينتظر أشلاء حلم ويعانقه ويفرح لظهوره... من سيفتح قلبه عندما أشاهد دمشق مرة ثانية من على الأرض.. يلفحني الهواء الخريفي، ويداعب زندي المشرعتين لبلدي، فأتذكر نزار قباني.. أردد كلماته من جديد.. "مدينتنا تظل أثيرة عندي برغم جميع ما فيها".. دهشت لمن ينتظرون هند البوابة.. ميزت بعض العيون وعرفت من الابتسامات أن هناك "حب" يداعب شعري.. عشق ربما يختلط في وطني لكنه يبقى لونا خاصا ... الوجه الذي تركته "موجود" عرف أنني سآتي، لكن عينيه بدتا باردتين، وظهر وجهي حارقا يوزع القبل أو يشعل الحركة التي دبت في من أرادوا رؤيتي أو ربما راهنوا على أنني سأكون مذهولة بالعودة.
هي تفاصيل ربما لاتشكل سوى غرق جديد داخل الحياة اليومية... الشوارع الممزقة والهدوء أو السكينة التي تشكل إدمانا دمشقيا، فبعد أسبوع ربما أعود لرسم الاستقرار الذي يميز اللون الخاص لحياة تبحث دائما عن "مقتلها".. فهنا الثرثرة غذاء لكل المناضلين أو النسوة أو الأطفال أو حتى السياسيين.. وهنا حمى الجلوس أما مرآة الذات للتغزل بالنفس، فالمدن التي اعتادت التآكل تتكور دوما حول نفسها.. شاهدت بحري من جديد.. سبحت فيه رغم دهشة الناس، لكنني أردت أن اغتسل من ذكرياتي التي تركتها خلفي، ومن "العقد الخامس" ويده أو "حضنه" الذي اعتاد على غفواتي الطويلة.. عبثا حاولت تكسير الماضي حتى بعد عودتي لدمشق، فأنا مسكونة بهدير غريب ينتقل في الدورة الدموية، وبغضب يظهر من بين عيني وكأنه برق يوحي بعاصفة قادمة... أصبحت هوايتي نبش من حولي وربما استثارة العواطف بعد موجة من الصمت فانا لا أحمل صورة من الجزر البريطانية بل جنونا عارما يجتاح مساماتي... الوجه القديم الذي تركته بقي كما هو بملامحه ورائحته وربما بخيالاته للعودة إلى مساحاتي، لكنني لم أستطع تحمل سكونية الحالة أو نسيان الزمن والعودة للوراء.. كنت أتمنى أن أجده يعانق أخرى غيري،، ربما سأغصب أو أبكي أو أكتم غيظي.. لكن على الأقل هناك حالة ستنتابني، أما أنا أقف وكأن الزمن تجمد فهو شأن قاتل يغتالني ويشعرني ببلادة اللحظات...
يزورني وجهي القديم في المساحة التي أرتمي بها، فيسقط مني الكلام أو يتبخر الإحساس باتجاه العزلة.. أحرك جسدي بشكل آلي وكأنني أتعفف عن عاطفة كانت قبل عامين تخطفني نحو الأفق، وأعرف أن اللمسة ستجعل الجليد يطوف بي لأنني لن أكمل المشوار... ليغضب.. ليشتم ويرمي الاتهامات فأنا أنقل له حرارة جديدة.. أحاول على الأقل "شحن" الضوء لمساحته، فأنا أنثى بألوان لم يألفها، وبخبرة ربما ستفتته إذا تعرف عليها، لكن ما أريده هو الابتعاد كي أجد "ضالتي" من جديد، أو أروي وجعي بعد غربة اغتلتها مثلما استهلكتني...
لم تعد أجساد الرجال كما كانت.. تخشبت عند زمن الرحيل، فأحاول التعرف على انحناءات جديدة فيها علها تجعلني أقفز كأرنب فرح لكن الزمن يسير ومن الصعب التوقف عن "جسد" واحد قادر على إيقاظي، فأتأمل المحيط الجديد لي.. الجريدة التي قررت أن ارتمي إليها كي أعيش على الأقل وأعرف أن البقاء صعب والرحيل أصعب، فالهدوء سيبقى كما هو، حتى ولو جرحتي بجسدي أو ابتسامتي أو ضحكتي العالية، ومن بين الجميع اختار "صبيا".. هو صبي بمعنى الكلمة.. طفل أمام جبروت الجسد الذي يقتحم عالمه، وأعرف أنني لن أغامر معه إلا لكي أكسر الاعتياد، فهو يهرب وأنا ألاحقه... هي ليست دونية للجسد بل للزمن الذي يتركني أطارد أشباحا للرجال، وعندما يسقط "الصبي" أعرف أنه سيعجز عن اخبار أصدقائه بفحوى التجربة، لأنها أكبر من مساحته... يتدرب على العشق والصحافة... يتخرج من مدرسة القلم والجسد.. وفي لحظة يدرك أنه قادر على الجنس بليوني، أو على الانهيار أمام ثديين يناديانه كي يرتشف الحياة منهما، أو يد تندس ما بين ساقيه لتمتص ارتجاف قلبه، وينقلب إلى خيال وهو يكتم تأوهاته التي بقيت مكتومة طوال أشهر...
ربما سيتحدث عن مغامراته أو رجولته التي حرضتها بأصابعي، فأصبح قادرا على امتطاء أنثى، بينما يقف أمامي منتظرا أن أناديه، ويختلط الأمر ما بين المكتب أو المنزل، وما بين العمل والمخدع، وهو يرتجف دائما وكأنه في حالة نشوة دائمة، فهل لقنته العشق في الزمن الخاطئ... لماذا تختارين "الضعفاء"؟! هو سؤال سأواجهه قريبا لكنه ليس بعيدا عن مساحتي لأنني أبني عالمي على شاكلتي، فأدخل "الصبي" مملكتي أو أخرجه منها... أجعله ممتدا ما بين صدري وأحراش خصبي، فيعرف أن هناك لونا في الدنيا لن يجده إلى حول خاصرتي، أو في تقاطع الفخذين فتلمع الرغبة أو تهطل من أعلى جبينه.. عندها سأتحول إلي غبار يتلاش على مساحته السمراء وأدعوه ليلتهم التفاصيل التي أمامه، فيمسح ساقي أو يتلمس بورع زندي العاريتين، وينتهي بارتداد وهو يضغط نحو فأرتجف أو يرتجف... وأنقبض عليه كأراض تمتص ماءها، وأنتهي أو ينتهي... أو أخرج من جديد لأكتب فصلا آخر من الجنون الذي يحلق فوق سماء المدينة....
رواية لا تنتهي من البحث عن سماء قادرة على التقمص فيّ، فلا الصبي قادر على تحرير الغضب الذي يأكلني، ولا الصمت يمكن أن ينهي حكايتي مع مساحات الأنثى الضيقة.. لكن الألوان التي أريدها ستبقى على الأقل في الأحرف أحيانا أو في النظرات أو حتى في اقتناص لحظات من النشوة... هي المدينة المفروضة علي... أو التي تستوعبني رغم مجوني، فأكرهها وأعشقها وأكسر فيها كل الكؤوس التي يمكن أن تجعلني ثملة... هي مدينة بضيق أحلامنا، أو ربما بوسع التاريخ الذي تحمله... لكنها في النهاية مدينتي أو حياتي التي سترافقني دائما...

هناك تعليقان (2):

  1. سهى مزيدا من الجمال يا صديقتي

    ردحذف
  2. كتاباتك جميلة جدا
    وفكرك عالى
    لكنى اتركينى اقرأ مرة تانية
    لاقول تعليقى على الروايات والافكار
    تحياتى

    ردحذف